للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذا طلب المتصوفة الهداية إلى الحق والتقرب إلى الله عن طريق هذه العلوم التي ادعوا بأنهم يتلقونها عن الله فلم يصلوا إلى الهدى بل ضلوا الطريق لأنهم بحثوا عن الهداية في غير مكانها وسلكوا لها غير طريقها فإن كل من يطلب الهداية في غير الكتاب والسنة فإن مصيره الضلال المبين والانحراف الخطير كما حصل لهؤلاء المتصوفة الذين بحثوا عن الهداية عن طريق الكشوفات المزعومة فانحرفوا في عقائدهم وسلوكهم ومعاملاتهم.

الطريق الثالث الذي يبحث المتصوفة فيه عن الهداية " الذوق":

قال أبو حامد الغزالي في معرض حديثه عن المتصوفة:

" ابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل " قوت القلوب" لأبي طالب المكي الحارث المحاسبي .. حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلية وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقهم بالتعلم والسماع فظهر لي أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق والحال وتبدل الصفات".ثم قال أيضا: " فعلمت يقينا بأنهم أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال وأن ما يمكن تحصيله بطرق العلم فقد حصلته ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم بل بالذوق والسلوك" (١).

وقال ابن عربي: "جميع علومنا من علوم الذوق لا من علم بلا ذوق فإن علوم الذوق لا تكون إلا عن تجلي إلهي والعلم قد يحصل لنا بنقل المخبر الصادق وبالنظر الصحيح " (٢).

ومن هنا نعلم بأن الذوق من أهم الطرق التي يبحث المتصوفة فيه عن الهداية وهو معرفة الله سبحانه وأن هذا العلم الذي يسميه المتصوفة علم الذوق لا يحصل عليه الإنسان إلا عن طريق الكشف بتجلي الله له كما قال ابن عربي في النص السابق.

ويقول عبدالرحمن الوكيل في نقده لاعتماد الصوفية على الذوق في تلقي العلوم: " ويدين الصوفية ببهتان آخر يدمغها بالمروق عن الإسلام ذلك هو اعتقادها أن الذوق الفردي لا الشرع ولا العقل هو وحده وسيلة المعرفة ومصدرها معرفة الله وصفاته وما يجب له فهو ـ أي الذوق- الذي يقوم حقائق الأشياء ويحكم عليها بالخيرية أو الشرية بالحسن أو القبح بأنها حق أو باطل فلا جرم أن تدين الصوفية بعدد عديد من أرباب وآلهة ولا عجب أن ترى النحلة منها تعبد وثنا بغير ما تعبده أخرى أو تخضع لصنم يكفر به سواها من النحل الصوفية لا عجب من ذلك كله ما دامت تجعل الذوق الفردي حاكما وقيما على المسميات وأسمائها فيضع للشيء معناه مرة ثم ينسخه بنقيضه مرة أخرى هذه الحدة في توتر التناقض صبغت الصوفية دائما في منطقها المخبول ولقد ضربت الصوفيين أهواء أحبارهم بالحيرةوالفرقة فحالوا طرائق قددا تؤله كل طريقة منها ما ارتضاه كاهنها صنما له وتعبده بما يفتريه هواه من خرافات" (٣).

تنفير الصوفية الناس عن العلم الشرعي:

لقد نفر الصوفية الناس عن العلم الشرعي بوصفهم له بأوصاف منفرة حيث وصفه بعضهم بأنه آفة المريد ووصفه البعض منهم بأنه يفرق الاهتمامات ووصف طلب العلم بأنه ركون إلى الدنيا وانحطاط من الحقيقة إلى العلم ووصفه بعضهم بأنه موحش ووصفه بعضهم بأنه حجاب.

وإليك النصوص الدالة على ذلك من بطون كتبهم:

فقد وصف أبو بكر الوراق كتابة الحديث والاهتمام به بأنه من الآفات التي يجب أن يبتعد عنها المريد فقال: "آفة المريد ثلاث: التزويج وكتابة (الحديث والأسفار) " (٤).

ويقول الجنيد: "إذا لقيت الفير – أي الصوفي – فالقه بالرفق ولا تلقه بالعلم فإن الرفق يؤنسه والعلم يوحشه" (٥).


(١) ((المنقذ من الضلال)) للغزالي (ص: ٦١).
(٢) ((اليواقيت والجواهر في عقيدة الأكابر)) للشعراني (٢/ ٨٤).
(٣) ((هذه الصوفية)) لعبد الرحمن الوكيل (ص: ٢٠).
(٤) ((الرسالة القشيرية)) (٢/ ٤٣٦).
(٥) ((الرسالة القشيرية)) (٢/ ٥٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>