للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعتبر بعض المتصوفة طلب الحديث النبوي بأنه ركون إلى الدنيا حيث قال: " إذا طلب الرجل الحديث أو سافر في طلب المعاش أو تزوج فقد ركن إلى الدنيا" (١).

ووصف بعض المتصوفة العلم بأنه حجاب عن الله حيث قال أبو يزيد البسطامي: " أشد المحجوبين عن الله ثلاثة: الزاهد بزهده والعابد بعبادته والعالم بعلمه" (٢).

ولقد صرح أحد كبار المتصوفة بأن المتصوفة لم يتعلموا العلم ولم يحرصوا على دراسته فقال:

"اعلم أن ميل أهل التصوف إلى الإلهية دون التعليمية ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون بل قالوا الطريق تقديم المجاهدات بمحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال على الله تعالى بكنه الهمة وذلك بأن يقطع الإنسان همه عن الأهل والمال والولد والعلم ويخلو نفسه في زاوية ويقتصر على الفرائض والرواتب ولا يقرن همه بقراءة القرآن ولا بالتأمل في نفسه ولا يكتب حديثا ولا غيره ولا يزال يقول " الله الله الله" إلى أن ينتهي إلى حال يترك ترحيك اللسان ثم يمحو عن القلب صورة اللفظ" (٣).

فالنصوص المتقدمة كلها توضح لنا موقف المتصوفة من العلم وتثبت لنا بأن المتصوفة من ألد الأعداء لعلمي الكتاب والسنة حيث أن النصوص المتقدمة صرحوا فيها بعدائهم للقرآن والسنة بنهيهم وتحذيرهم عن طلب الحديث النبوي وتلاوة كتاب الله عز وجل فهل هناك جريمة أكبر من الذي يحذر عن تلاوة القرآن وكتابة الحديث النبوي وطلبه بل وطلب العلم عموما.

ولم يقدم زعماء الصوفية على هذا عن جهل منهم بل أقدموا عليه عن تخطيط وتدبير ومكر ومكيدة لأنهم يعلمون جيدا بأن أباطيلهم لا يمكن أن يقبلها الناس إلا إذا كانوا جهالا لا يعلمون شيئا عن الكتاب والسنة فعلم الكتاب والسنة نور يكشف عورات هذه الظلمات التي يدعو لها أرباب التصوف عوام الناس لأنه بالعلم ينكشف للناس حقائق طرقهم وزيف أقوالهم وبالعلم يتبين المنكر وبالعمل به يتم الإنكار وقد علم الصوفية بأن الإنكار أصبح حجر عثرة أمامهم وأعاق طريقهم والمنكر لا يمكن أن يعرف إلا عن طريق العلم ولذا نفروا الناس عنه ودعوهم إلى الابتعاد عنه وشغلوهم بحلقات الرقص ونوادي الوجد والسماع ولبس الخرقة والتزام الخلوات المظلمة وغير ذلك من بدعهم المنكرة كما سيتضح لنا ذلك خلال بحثنا الطويل معهم في هذه الرسالة إن شاء الله تعالى.

حث الإسلام على العلم والإعلاء من شأنه:

لقد حث الإسلام على العلم وأعلى من شأنه ومما يدل على ذلك الأدلة الآتية من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأول سورة نزلت من القرآن جاء الأمر فيها بالقراءة وهي سورة العلق حيث قال تعالى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:١ - ٥]

وقد أمر الله سبحانه بالعلم قبل العمل فقال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ [محمد: ١٩].

وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بأن أولى الناس بخشية الله سبحانه وتعالى هم العلماء فقال: كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر: ٢٨]


(١) ((تراجم الصوفية)) للمناوي (٢/ ٢١٥).
(٢) ((تراجم الصوفية)) للمناوي (٢/ ٢٤٧).
(٣) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (٣/ ٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>