للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الرجل لم يؤت ما أوتيه سليمان عليه السلام فحسب، وإنما أوتي ما أوتيه الأنبياء جملة واحدة، وربما ما لم يؤتوه أيضاً. ومما يحكى عنه من الكرامات أن أبا بكر الدينوري سمع الصوفية يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث)) من أكل مع مغفور له غفر الله له)) (١)، فلم يصدق به فسأل النبي صلى الله عليه وسلم في المنام عن درجة هذا الحديث فقال له: أنا قلت هذا الحديث، وغدا تأكل مع مغفور له ويغفر الله لك. وفي اليوم التالي أخذ نجم الدين لقمة وقال له: «كل يا أخي أبا بكر، صدق سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل مع مغفور له غفر الله له، وأنت مغفور لك». (٢)

فالرجل لم يتحقق من الحديث بالرجوع إلى رجاله ورواته وإنما بالتحقق من النبي صلى الله عليه وسلم شخصياً، وهذا مشهور عند الصوفية أنهم ربما سألوه في الرؤيا عن الحديث الموضوع فيقول لهم أنا قلته، وربما سألوه عن الحديث الصحيح المتواتر فيقول: لم أقله فيعتبروه حينئذ موضوعا وإن رواه البخاري ومسلم. بمعنى آخر أن لهم إسناد خاص وحكم خاص على الحديث يأخذونه عن النبي مباشرة لا على الطريقة التي مضى عليها أهل الحديث كالبخاري ومسلم وغيرهما. ثم قد ذاع عند المتصوفة أيضا دعوى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم عيانا يقظة لا مناما، كما في نص الشيخ نجم الدين «وأرى النبي عيانا» وكما في ادعاء الشيخ جلال الدين الرفاعي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بضعا وسبعين مرة. والذي ألف كتابا جمع فيه من اجتمعوا به يقظة وأسماه: تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك. (٣)

وهو قول لا يسلم من الزامات عديدة، منها:

أن يصير الذي يراه يقظة «صحابيا».

أن يصير زائر قبر النبي صلى الله عليه وسلم إنما يزور قبراً خالياً. أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم متنقلا تارة هنا وتارة هناك إذ أن مدعي رؤيته عيانا كثيرون بل منهم من يزعم رؤيته كل يوم بل كل ساعة، وقد بلغ الأمر بأحدهم أن ادعى أنه لو غاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عد نفسه من المسلمين. (٤) على أنهم ذكروا أن أبا الفضل الواسطي كان يعرف أيضا لغة الحيوانات والطيور ويذكر جميع أحوالهم وما هم عليه في البر (٥).

- الطعن بالأنبياءلقد كنت من خلال استعراضي لسيرة الرفاعي من خلال ما كتبه عنه الرفاعيون أنهم يحاكونه بالنبي صلى الله عليه وسلم وببعض ما جرى له مثل حادثة شق الملائكة لصدر الرفاعي، ومثل التلميح من وقت لآخر بعصمته، بل إنهم يدفعون أولياءهم دفعا إلى مرتبة النبوة حتى إنهم ليعتقدون فيهم أنهم الأولياء الكمل الذين هم في غالب أمورهم لا يعمل عملا إلا عن إذن سماوي (٦). ولا يختلف الإذن السماوي عن الوحي السماوي إلا في العبارة.

- إبراهيم عليه السلام يتعرى!


(١) قال ابن كثير في تفسيره لا أصل له، وفي ((المقاصد الحسنة)) (٢١١) قال السخاوي: قال شيخنا [يعني ابن حجر]: هو كذب موضوع وقال مرة أخرى: أنه لا أصل له صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وقال ابن القيم في ((المنار المنيف)) (١٤٠) موضوع، وفي ((أحاديث القصاص)) (٣٦) قال ابن تيمية: ليس له إسناد عند أهل العلم ولا هو في شيء من كتب المسلمين وإنما يروونه عن سنان وليس معناه صحيحاً على الإطلاق فقد يأكل مع المسلمين الكفار والمنافقين.
(٢) ((روضة الناظرين)) للوتري الرفاعي (ص (٩٢، ((التاريخ الأوحد)) (ص٦٨)، ((إرشاد المسلمين)) (ص١٠٠).
(٣) ((قلادة الجواهر)) (٤٢٢ – ٤٢٣).
(٤) ((طبقات الصوفية)) للشعراني ٢) / ١٤)، ((جامع كرامات الأولياء)) (١/ ٣١٤).
(٥) ((إرشاد المسلمين)) (ص ٧).
(٦) ((قلادة الجواهر)) (ص ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>