للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قالوا على سيدنا إبراهيم عليه السلام بهتانا عظيما فزعموا أنه صلى الله عليه وسلم تعرى ليكشف الشيخ إبراهيم الأعزب عن أعضائه. جاء ذلك في كتاب (روضة الناظرين) الذي ذكر أن إبراهيم الأعزب سئل عن حال الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم فذكر مجموع صفاته وكيفية أعضائه. فقال رجل: «من أهل العلم»: ما قاله السيد إبراهيم في شأن الخليل ما وجدناه في كتاب وما نقل عن أحد. فسمع إبراهيم الأعزب قوله فتبسم وأشار بيده إلى نحوه فنظر الفقيه إلى ذلك المكان فصرخ صرخة ووقع مغشيا عليه. فلما أفاق قال: رأيت الخليل صلى الله عليه وسلم وقد تعرى ليرى أعضاءه السيد إبراهيم». (١) ولقد أثنى الصيادي على الشيخ الرفاعي بأبيات قال فيها (٢):

برقعتك العناية الإلهية ... يا رفاعي بالبرود السنية

لم نقل أنت في مقامك معصو ... م ولكن حفظا هجرت الخطية (٣)

أنت زيتونة كريمة أصل ... لا شرقية ولا غربية

أنت فرد الأغواث يا نبوي الـ ... خلق والخلق يثبت الفردية

ثم زعم أن الرفاعي منزه عن مرتبة الغوثية لأنه نال ما هو أعلى وأجل منها وهي رتبة النيابة عن النبوة. (٤)

وهذا طعن بالألوهية والنبوة معا. فإن الله هو غياث العباد ومددهم وكشاف كروبهم ولا ينزه عن ذلك، وليست مرتبة النبوة بأفضل من تلك فضلا عن أن تكون النيابة عن النبوة أفضل من غوثية الله تعالى.

ومن صور استهزاء الرفاعية بالأنبياء ما رووه عن الرفاعي أنه قال لأتباعه: «يا سادة: هذا البحر الذي أنتم تغوصون فيه: غرق فيه وفي ساحله مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي. ومائة ألف وأربعة وعشرون ألف ولي. ومثلهم صديقون ما وجدوا له قراراً وحارت فيه أفكارهم، وضاعت فيه أوهامهم، وذهبت فيه عقولهم. (٥)

- ادعاء علم الغيب مطلقا

لم يختلف المسلمون يوما فيما بينهم عن علم الله الغيب: هل يشاركه فيه أحد كما قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ [النمل: ٦٥]. وكما أمر نبيه أن يقول: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام: ٥٠] وقد قال: ((إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)) (٦) متفق عليه. وقال لجبريل صلى الله عليه وسلم حين سأله عن الساعة: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)) (٧).

فادعاء الكشف عن علم الغيوب من أعظم الكذب على الله.

غير أنه يعتبر عند المتصوفة منقبة من المناقب وكرامة من الكرامات. فالقلب - على حد قول الشيخ الرفاعي - إذا صلح صار مهبط الوحي والأسرار والأنوار والملائكة، وإذا فسد صار مهبط الظلم والشياطين. (٨)

وعلى حد قوله أيضاً أنه:

«إذا أراد الله أن يتخذ وليا أنعم عليه بأربع:

١ - الكفاية. ٢ - الحماية.

٣ - الرعاية. ٤ - الهداية.

فإذا تحققت هذه الأربع أكرمه بأربع أيضاً:

١ - يقرأ ما على الجباه.

٢ - ويصافح الملائكة ويصافحونه.

٣ - ويكلم الموتى ويكلمونه. ٤ - ويدخل القبور فيعرف المنعم من المعذب. (٩)


(١) ((روضة الناظرين)) (ص٩٠).
(٢) ((الكنز المطلسم)) (٢٠ - ٢١).
(٣) لقد أبقى الصوفية على حقيقة العصمة لدى مشايخهم لكنهم عمدوا إلى تغيير لفظ «العصمة» إلى لفظ آخر يؤدى نفس المعنى وهو «الحفظ». فإن من عصمه الله فقد حفظه. ففي المعنى لا فرق وإنما الفارق في اللفظ فقط.
(٤) ((قلادة الجواهر)) (ص (١٢٨، ((المعارف المحمدية)) (٦٠ و ٧٢).
(٥) ((قلادة الجواهر)) (ص ١٧٦).
(٦) رواه البخاري (٤٣٥١) ومسلم (١٠٦٤)
(٧) رواه البخاري (٥٠) ومسلم (٨)
(٨) ((الفجر المنير)) (ص ١٨)، ((قلادة الجواهر)) (ص١٤٦)، ((طبقات الشعراني)) (١/ ١٤٢).
(٩) ((قلادة الجواهر)) (ص١٦٧)، ((الفجر المنير)) (ص٥١)

<<  <  ج: ص:  >  >>