للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا الاعتبار الأخير أي الجهة العدمية لا يجوز أن ينفي عن الله تعالى الجهة إذ المقصود منها واضح – ولكننا نعبر عنها بما ورد في الشرع من العلو والاستواء. ومثل ما تقدم من الكلام في الجهة، الكلام في الحيز، فيعبرون بقولهم: يستحيل أن يكون الله متحيزاً، فجوابهم: إنهم إذا أطلقوا نفي التحيز يجمعون بين التحيز الوجودي والعدمي، فالتحيز الوجودي هو المفهوم من اللغة، فإذا قيل عن شيء إنه متحيز فمعناه أنه يوجد شيء يحوز غيره (١)، والله تعالى لا يحوزه شيء، إذ ما تم إلا الخالق والمخلوق، وقد علم بصريح العقل أن الله لا يحل في خلقه ولا يحله شيء من خلقه – فإذا كان ذلك كذلك واستحال أن يوصف بجهة السفل – كما يوافق الأشعرية على ذلك – لم يبق إلا أن يوصف بالعلو. وأما التحيز العدمي – فهذا ما يطلقونه – كما هو الشأن في العالم، فقد يقولون إن العالم متحيز – مع أنه ليس داخلاً في عالم آخر – وعليه فإن الحيز هنا أمر عدمي – والعدم ليس بشيء، فإذا كان ذلك كذلك فإن الله تعالى – بهذا الاعتبار – منحاز عن خلقه (٢). ولكن كما تقدم وجب إطلاق كلمة الاستواء والعلو – لا الحيز – ولكنهم لما أرادوا بنفيها نفي الحق الثابت، يمنع نفيها النفي المطلق – والله أعلم. ولكن الأشعرية كغيرهم من المتأولة يطلقون في شأن الباري نفياً غريباً أشبه بإنكار وجوده فيقولون: "ليس فوق العرش أو تحته أو يمينه أو شماله أو أمامه أو خلفه ... " (٣) ويعبرون كذلك بأنه لا داخل ولا خارجه (٤).


(١) انظر ((القاموس المحيط)) (٥٥/ ٦٥٥) مادة (حوز)، و ((المعجم الوسيط)) (١/ ٢٠٦) (حوز، الحيز).
(٢) انظر ((نقض التأسيس)) (٢/ ١١٧ - ١١٩) و ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ٢٥٣ - ٢٥٤) و (٥/ ٥٨ - ٥٩) و ((تفسير سورة الإخلاص)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص: ١٤٨ - ١٥٠).
(٣) ((شرح أم البراهين)) (ص: ٢٤).
(٤) انظر ((المواقف في علم الكلام)) (ص: ٢٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>