للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "وكيف يقطع أن هذا الراوي سمع مما جرى في ذلك المجلس" فجوابه: إنا لا نشك أن الصحابي إذا صرح بسماعه من الرسول صلى الله عليه وسلم – فإنه كما قال، وإن أتى بعبارة محتملة للسماع كقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأصل فيه أنه سمعه منه، ولكن قد يكون بعض الصحابة – خاصة صغارهم – يروي ذلك عن صحابي آخر، وهذا لا مطعن فيه إذ الجميع قد ثبتت عدالتهم بالإجماع. وبالله التوفيق. فقد ظهر مما تقدم أن الرازي وأمثاله من أساطين الأشاعرة كالغزالي والجويني لم يكونوا على خبرة بالسنة فمثال ذلك قول الجويني: ومما تتمسك به الحشوية: مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله خلق آدم على صورته)) (١) وهذا الحديث غير مدون في الصحاح" (٢). مع العلم بأنه متفق عليه! – وكقول الغزالي: "وظواهر أحاديث التشبيه أكثرها غير صحيحة" (٣). فإن كان مراده بأحاديث التشبيه الأحاديث التي فيها تمثيل الخالق بخلقه فكلها باطلة موضوعة ولا يقال أكثرها غير صحيحة!، وإن كان يريد ما يفهمه ويتوهمه تشبيهاً من أحاديث الصفات الصحيحة فهي كلها صحيحة، وقد فهم منها السلف فهماً صحيحاً. وما تقدم نقله عن الجويني والغزالي يدل على عدم اعتمادهم كثيراً على الحديث في هذا الباب – بل ويدل على عدم خبرتهما به في الجملة، وقد صرح الحافظ ابن حجر في التخليص الحبير بعدم خبرة هذين الإمامين في الحديث فقال عن الجويني، "ونقل الرافعي عن إمام الحرمين في النهاية أنه قال: "في قلبي من الطمأنينة في الاعتدال شيء وهو من المواضع العجيبة التي تقضي على هذا الإمام بأنه كان قليل المراجعة لكتب الحديث المشهورة فضلاً عن غيرها" (٤).وقال نحو هذه العبارة في موضع آخر (٥)، ثم قال عنه وعن تلميذه الغزالي: "قال إمام الحرمين "رأيت في كتاب معتمد أن عائشة روت ذلك وتبعه الغزالي فقال: "قيل: إن عائشة روت ذلك"، وهذا دليل على عدم اعتنائهما بالحديث، كيف يقال ذلك في حديث سنن أبي داود التي هي أم الأحكام! "، وله عبارة فيهما نحو هذا في موضع آخر (٦)، بل إن الغزالي نفسه قد حكم على نفسه فقال: "وبضاعتي في الحديث مزجاة" (٧).أما الرازي فهو مثلهم في عدم المعرفة بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم والخبرة بمذهب السلف، فلذلك يتخبط هو وغيره ويرمون من يقول بمقتضى الأحاديث بأنه مشبه أو مجسم – مع العلم بأنهم جميعهم يحتجون بأقوال ساقطة سلفهم فيها فلاسفة ملاحدة أو منجمون مشركون – وفي الرازي يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن العجب أن هذا الرجل المحاد لله ولرسوله عمد إلى الأخبار المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي توارثها عنه أئمة الدين وورثة الأنبياء والمرسلين، واتفق على صحتها جميع العارفين، فقدح فيها قدحاً يشبه قدح الزنادقة المنافقين، ثم يحتج في أصول الدين بنقل أبي معشر أحد المؤمنين بالجبت والطاغوت أئمة الشرك والضلال نعوذ بالله من شرورهم وأقوالهم والله المستعان على ما يصفون" (٨).


(١) رواه البخاري (٦٢٢٧) , ومسلم (٢٦١٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) ((الإرشاد للجويني)) (ص: ١٥٢ - ١٥٣).
(٣) ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص: ١٠٣).
(٤) ((التلخيص الحبير)) (١/ ٢٥٦ - ٢٥٧).
(٥) ((التلخيص الحبير)) (٢/ ٥٠).
(٦) ((التلخيص الحبير)) (١/ ٢٧٥).
(٧) انظر: ((قانون التأويل)) (ص: ١٦)، وانظر ((الرد على المنطقيين)) (ص: ٤٨٣) لشيخ الإسلام ابن تيمية، و ((نقض المنطق)) له (ص: ٥٣). و ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ٥).
(٨) ((نقض التأسيس (١/ ٤٥٩). ولكن بين شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه هذا وغيره أن الرازي قد تاب آخر حياته .. انظر ((نقض التأسيس)) (١/ ٤٤٧)، وانظر كذلك ما ذكرته في الباب الرابع من توبته (ص: ٦٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>