للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويزعم أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: "من صحبك ثلاثة أيام لا يموت إلا وليا" (١)، ويحكى أنه لما قدم المدينة قال له ساكنها عليه أفضل الصلاة والسلام في مكة: "إن من زارني في سنتك هذه والتي قبلها والتي بعدها عندنا مقبول" (٢).

ودعاوى المراغنة هذه دعاوى عريضة تحتاج إلى إثبات، كما أنها مخالفة تماما للأدب الإسلامي الذي نهى عن تزكية المرء نفسه: أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا [النساء: ٤٩ - ٥٠]، فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم: ٣٢]، كما أنها لا تتفق مع أدب المؤمن الذي ينبغي أن يكون دوما في مقام بين الخوف والرجاء، الخوف من أن لا يقبل عمله أو لا يختم له بالصالحات، والرجاء في القبول وحسن الخاتمة. فالاطمئنان التام والجزم بالنتائج بهذه الصورة التي يحملها أدب المراغنة مخالف حتى لسلوك كثير من المتصوفة. وتتضح عدم مصداقيته حين يصل إلى درجة الفخر والتباهي ودعوة الناس إلى التصديق بهم واتباعهم نتيجة لذلك. أما زعم الميرغني بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بشره بأن من رآه أو رأى من رآه إلى خمسة لا تمسه النار. "فهذه دعوى تحتاج إلى برهان، وميزة لم تكن للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه ولا لأحد من الأنبياء قبله، فهل الميرغني أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم، فالنبي عليه السلام كان يرى الكفار ويرونه كل يوم ولم يكن ينفعهم ذلك، بل إن الله سبحانه وتعالى أخبره أن استغفاره للكفار ودعاءه لهم لا ينفعهم، فقال سبحانه: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: ٨٠] لأن الجنة بعد تفضل الله تعالى بالأعمال: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف: ٧٢]، ورؤية الميرغني ليست من العمل في شيء.

نتيجة لهذا الفضل والميزة التي أسبغها أئمة الختمية على أنفسهم والمكانة عند الله والولاية التي ادعوها، ساد في أدبهم التوسل ببعضهم البعض، وساد في أدب أتباعهم التوسل بهم والتوجه إليهم بالدعاء وطلب العون والنصر وتفريج الكروب وإزالة الهموم وإغاثة الملهوف إلى غير ذلك من أنواع الدعاء والتوجه والعبادة التي لا ينبغي أن تكون إلا لله، والذي هو في واقع الأمر نوع من الشرك في العبادة. وقد كان مشايخ الطريقة قدوة لأتباعهم في هذا النهج والسلوك. فنجد الميرغني (الختم) يمدح شيخه ابن إدريس ويعتبره مقدما له وملجأ، وأن له يمينا إذا قبلها الشخص تمحو أوزاره!!

على من له يمن اليمين ومن له

يمين إذا ما قبلت تمحو للوزر

فيا عمدتي يا مركزي يا مقدمي

ويا ملجئي والله والله والطهر

ويذكر أنه لم يصحب شيخه لغاية دنيوية وإنما رغبة في أن يحضر الشيخ موته ويدفع عنه سوء الخاتمة، وأن يحضر شيخه والمصطفى صلى الله عليه وسلم ويؤنساه في وحشة قبره، وأن يدنيه شيخه منه في يوم الحشر:

نعم مرادي حين يحضرني موتي

تدافع عني السوء تختم لي عمري

بحسن ختام يحضر المجتبى أيضا

تدافعا عني لوحشة ذا القبر

وفي الحشر تدنيني لنحو لوائكم

تقول أيا ابن إدريس للمصطفى ذخر

محمد عثمان المسيء الذي له

من الذنب أوزار تفوق عن الحصر (٣)


(١) ((لؤلؤة الحسن الساطعة)) (ص ٤٦).
(٢) ((لؤلؤة الحسن الساطعة)) (ص ٤٨).
(٣) ديوان ((مجمع الغرائب))، (ص ٢٤)، وانظر أيضا صفحات (٢٦ – ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>