للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكتف الشيخ إمداد الله بحكاية أقوال الوجودية، بل أراد أن يضيف عليها فقال:"العبد قبل وجوده كان هو الرب باطناً، والرب هو العبد ظاهراً، وعليه يدل الحديث القدسي: ((كنت كنزاً مخفياً))، وما مثل الخالق مع خلقه إلا كمثل النواة مع الشجرة، فإن الشجرة بأوراقها وأغصانها وأزهارها كانت مكنونة في النواة، ولما أظهرت النواة ما في باطنها اختفت هي عن الأنظار، فالناظر يرى الشجرة ولا يرى النواة".

هكذا قال الشيخ إمداد الله ونسي ما صرح به القرآن في محكم آياته لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:٣].

كما أنه لم ينتبه إلى النتائج المستلزمة لهذا القول بحيث تكون المخلوقات كلها مظاهر للخلّاق العظيم، بما فيها الكلاب والفئران والقطط وغيرها؛ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

ثم أضاف الشيخ إمداد الله قائلاً:

"من أراد أن يجلس مع الله فليجلس مع أهل التصوف".وقال مستدلاً بحديث ((من رآني فقد رأى الحق)) (١): "معناه من رآني فقد رأى الله تعالى".

وقال أيضاً:

"إن الصوت الذي سمعه موسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:١٢] إنما كان من باطن موسى نفسه".

وقال الشيخ فضل حق الخير آبادي في كتابه:

"لو كلفت الرسل بالدعوة إلى وحدة الوجود لبطلت الحكمة التي من أجلها أرسلت الرسل، فأمروا أن يكلموا الناس على قدر عقولهم".

فيا للعجب! لو كانت عقيدة وحدة الوجود حقاً، وعرفها الأنبياء والرسل، أما كان عليهم أن يبينوها للناس ولا يكتمونها؟ والله سبحانه يقول يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:٦٧].وقالت عائشة رضي الله عنها: (من حدّثك أن محمداً كتم شيئا مما أنزل الله عليه فلقد كذب) (٢). وقال الشيخ محمد أنور الكشميري في شرحه لحديث ((لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل)) (٣) الحديث، وهذا نصه:

"وهاهنا بحث للصوفية في فضل القرب بالنوافل، والقرب بالفرائض، فقالوا: إن العبد في القرب الأول يصير جارحة لله جل مجده، والله سبحانه نفسه يكون جارحة لعبده في القرب الثاني".

وقال في شرحه لقطعة: "فكنت سمعه الذي يسمع به":

"قلت: وهذا عدول عن حق الألفاظ، لأن قوله: كنت سمعه الذي بصيغة المتكلم يدل على أنه لم يبق من المتقرب بالنوافل إلا بجسده وشبهه، وصار المتصرف فيه الحضرة الإلهية، وهذا الذي عناه الصوفية بالفناء في الله تعالى، أي الانسلاخ عن دواعي نفسه حتى لا يكون المتصرف فيه إلا هو، (إلى أن قال) وفي الحديث لمحة إلى وحدة الوجود، وكان مشايخنا مولعون بتلك المسألة إلى زمن الشاه عبد العزيز، أما أنا فلست بمتشدد فيها".

وقال في شرحه لقول: فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق" ما نصه: "وفيه رائحة من وحدة الوجود، لأنه يدل على أن تلك الرحمة عينها جعلت بين العباد، مع أنها كانت جزء من أجزاء رحمة الرب، فما كان للرب جل مجده صارت للعباد بعينها، وهل الوحدة المذكورة ممكنة أو لا؟ فالوجه أنها ممكنة، إلا أن الغلو فيها غلو".

وقال الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في كتابه:


(١) رواه البخاري (٦٩٩٦) ومسلم (٢٢٦٧) من حديث أبي قتادة.
(٢) رواه البخاري (٦٥٠٢).
(٣) رواه البخاري (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>