للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثالث: وقولهم إن طريقة الخلف أعلم وأحكم لما فيها من مزيد الإيضاح فكلام خطأ أيضاً إذ لم يعهد في طريقة المتكلمين إلا الشك والحيرة والاضطراب والتناقض، وما فيها من صواب فقد دل عليه الشرع بأيسر سبيل وأوضحه. مع أن هذه العبارة فيها قدح في طريقة السلف بأنها لم تكن واضحة تماماً حتى جاء هؤلاء المتكلمون فأوضحوا الطريق. فهل يوجد قدح أبلغ من هذا؟! والقول الحق: إن طريقة السلف هي الأسلم والأعلم والأحكم (١).

المصدر:منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - ٢/ ٦٠١

ابتدع المتأخرون معنى للتأويل لم يكن معروفا عند السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وقالوا: هو صرف اللفظ من الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، ثم فسروا التأويل الوارد في آية آل عمران: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران: ٧]، بهذا المصطلح الذي أحدثوه، ومن ثم أضفوا الشرعية على تأويلاتهم لنصوص الصفات أو بعضها. وقد أولى شيخ الإسلام هذه المسألة اهتماما كبيرا، وعرض لها في مناسبات عديدة من كتبه، وانطلق في ذلك من بيان معاني التأويل الواردة في الكتاب والسنة وأقوال السلف، حيث أوضح من خلال التتبع الدقيق لموارد لفظة "التأويل" في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، وأئمة السلف (٢)، وانتهى من ذلك إلى أن التأويل ورد عندهم بمعنيين:

أحدهما: أنه بمعنى المرجع والمصير، والحقيقة التي تؤول إليها الشيء. والثاني: أنه بمعنى التفسير (٣).أما المعنى الثالث الذي اصطلح عليه المتأخرون وهو صرف اللفظ من الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، فليس معروفا عندهم، يقول شيخ الإسلام بعد ذكر المعاني السابقة: "والمقصود هنا أن السلف كان أكثرهم يقف عند قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ بناء على أن التأويل هو الحقيقة التي استأثر الله بعلمها، لا يعلمها إلا هو، وطائفة كمجاهد وابن قتيبة (٤) وغيرهما قالوا: بل الراسخون يعلمون التأويل، ومرادهم بالتأويل المعنى الثاني وهو التفسير، فليس بين القولين تناقض في المعنى.

وأما التأويل بمعنى صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه لهذا لم يكن هو المراد بلفظ التأويل في كلام السلف، اللهم إلا أنه إذا علم أن المتكلم أراد المعنى الذي يقال إنه خلاف الظاهر جعلوه من التأويل الذي هو التفسير، لكونه تفسير للكلام وبيانا لمراد المتكلم به، أو جعلوه من النوع الآخر الذي هو الحقيقة الثابتة في نفس الأمر التي استأثر الله بعلمها لكونه مندرجا في ذلك لا لكونه مخالفا للظاهر. وكان السلف ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله ورسوله التي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه، فكانوا ينكرون التأويل الباطل الذي هو التفسير الباطل، كما ننكر قول من فسر كلام المتكلم بخلاف مراده ... " (٥).

وقد أراد شيخ الإسلام من هذا الكلام. تقرير عدة أمور:


(١) انظر: ((فتح رب البرية)) لابن عثيمين (ص: ٥٨ - ٦٠).
(٢) انظر مثلا: ((تفسير سورة الإخلاص – مجموع الفتاوى –)) (١٧/ ٣٦٤ - ٣٧٢)، و ((نقض التأسيس – مخطوط –)) (٢/ ٢٤١ - ٢٤٧).
(٣) انظر: ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى –)) (٥/ ٣٤٧ - ٣٥٠)، و ((الفتوى الحموية – مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣٥ - ٣٦)، و ((مجموع الفتاوى)) (٤/ ٦٨ - ٦٩) و ((الدرء)) (١/ ١٤ - ١٥)، و ((الإكليل في المتشابه والتأويل – مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٢٨٨ - ٢٨٩)، و ((نقض التأسيس)) – مخطوط (٣/ ٢ - ٤).
(٤) انظر: ((تأويل مشكل القرآن)) (ص: ٩٨ - ١٠١).
(٥) ((الصفدية)) (١/ ٢٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>