للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - أنه لا يجوز حمل النصوص على مصطلح حادث، بل لابد من الرجوع أولا إلى الاستعمالات الواردة لهذا اللفظ وقت النزول. ولفظ التأويل لم يرد في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة إلا بهذين المعنيين، فحمل لفظ التأويل – في آية آل عمران – على غيرهما باطل.٢ - أن القراءتين الوردتين في الآية صحيحتان (١)، ولا تعارض بينهما، وكل قراءة محمولة على معنى من معاني التأويل الوارد. ففي قراءة الوقف على لفظ الجلالة – وهي قراءة الجمهور – يكون معنى التأويل حقيقة الشيء في قراءة الوصل يكون معناه التفسير.٣ - أن التأويل هو بيان مراد المتكلم، وليس هو بيان ما يحتمله اللفظ في اللغة (٢)، ولذلك فقد يوجد في كلام السلف تفسير الآية على خلاف ظاهرها – مما قد يقال بأنه صرف للفظ عن ظاهره – ولكن هذا من باب بيان مراد المتكلم وتفسير كلامه، بضم النظائر إلى بعضها، وتفسير بعض النصوص بنصوص أخرى، توضح المراد منها، وتزيل ما قد يشتبه منها على بعض الناس. وشيخ الإسلام كثيرا ما يركز على "أن الرسول بلغ البلاغ المبين، وبين مراده، وأن كل ما في القرآن والحديث من لفظ يقال فيه إنه يحتاج إلى التأويل الاصطلاحي الخاص الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، فلابد أن يكون الرسول قد بين مراده بذلك اللفظ بخطاب آخر، لا يجوز عليه أن يتكلم بالكلام الذي مفهومه ومدلوله باطل، ويسكت عن بيان المراد بالحق، ولا يجوز أن يريد من الخلق أن يفهموا من كلامه ما لم يبينه لهم ويدلهم عليه لا مكان معرفة ذلك بعقولهم، وأن هذا قدح في الرسول الذي بلغ البلاغ المبين الذي هدى الله به العباد وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، وفرق الله به بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وبين الرشاد والغي، وبين أولياء الله وأعدائه، وبين ما يستحقه الرب من الأسماء والصفات وما ينزه عنه من ذلك ... فمن زعم أنه تكلم بما لا يدل إلا على الباطل، لا على الحق ولم يبين مراده، وإنه أراد بذلك اللفظ المعنى الذي ليس بباطل، وأحال الناس في معرفة المراد على ما يعلم من غير جهته بآرائهم فقد قدح بالرسول" (٣).


(١) انظر: ((المكتفي في الوقف والابتداء)) لأبي عمرو الداني (ص: ١٩٤ - ١٩٧)، و ((منار الهدى في بيان الوقف والابتداء)) للأشموني (ص: ٧٠).
(٢) انظر: ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٢/ ١٧٢).
(٣) انظر: ((درء التعارض)) (١/ ٢٢ - ٢٣)، وانظر تفصيلا مهما لهذه المسألة في ((نقض التأسيس)) – مخطوط – (٣/ ١٦٢ - ١٧٧)، ويلاحظ أن هذا الجزء بدأه بالرد على ما زعمه الرازي من أن جميع الفرق مقرون بأنه لابد من التأويل، ثم ذكر تسعة أمثلة من القرآن وعشرة من السنة، فعقب شيخ الإسلام – بعد مناقشة كل واحد منها – بقوله عن الرازي: "قلت قد ذكر تسعة عشر حرفا على عدد خزنة جهنم وليس فيها ما يوجب التأويل .. " (٣/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>