للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أن الحاكم كان جالسًا في مجلسه العام وهو حفل بأعيان دولته، فقرأ بعض الحاضرين قوله تعالى فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء: ٦٥]، والقارئ في أثناء ذلك يشير إلى الحاكم، فلما فرغ من القراءة، قرأ شخص آخر يعرف بابن المشجر، وكان رجلاً صالحًا يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:١٦ - ٧٣].فلما أنهى قراءته تغير وجه الحاكم، ثم أمر لابن المشجر المذكور بمائة دينار، ولم يطلق للآخر شيئاً، ثم إن بعض أصحاب ابن المشجر قال له: أنت تعرف الحاكم وكثرة استحالاته، وما نأمن أن يحقد عليك، وأنه لا يؤاخذك في هذا الوقت ثم يؤاخذك بعد هذا فتتأذى معه، ومن المصلحة عندي أن تغيب عنه. فتجهز ابن المشجر للحج، وركب في البحر فغرق، فرآه صاحبه في النوم، فسأله عن حاله، فقال: ما أقصر الربان معنا، أرسى بنا على باب الجنة، رحمه الله تعالى، وذلك ببركة جميل نيته وحسن قصده) (١).ويقول السيوطي: (إن الحاكم أمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفًا إعظامًا لذكره، واحترامًا لاسمه، فكان يفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين. وكان أهل مصر على الخصوص إذا قاموا خروا سجدًا، حتى أنه يسجد بسجودهم في الأسواق وغيرهم، وكان جبارًا عنيدًا، وشيطانًا مريدًا، كثير التلون في أقواله وأفعاله) (٢).ومن أفعاله (أنه كان يعمل الحسبة بنفسه، فكان يدور بنفسه في الأسواق على حمار له – وكان لا يركب إلا حمارًا -، فمن وجده قد غش في معيشة، أمر عبدًا أسود معه يقال له مسعود، أن يفعل به الفاحشة العظمى) (٣).وقد بنى بين الفسطاط والقاهرة مسجدًا عظيمًا على ثلاثة مشاهد (٤) كانت هناك، وجعل فيه سدنة وخدمًا يوقدون فيه السرج الليل كله، وكان يريد أن ينقل إليه جسد النبي صلى الله عليه وسلم، غير أن الله سبحانه دفع، وأظهر الله عز وجل أهل المدينة على ذلك) (٥).


(١) ابن خلكان ((وفيات الأعيان)) (٥/ ٢٩٥).
(٢) السيوطي ((حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة)) (١/ ٦٠١ – ٦٠١).
(٣) ابن كثير ((البداية والنهاية)) (١٢/ ٩).
(٤) المشاهد: هي القبور التي يبنى عليها، وتقصد للتبرك، بل إن كثيرا منها ليس فيه أحد مقبور، وإنما جعل من قبل أهل الضلال، ولا يكاد يخلو بلد من مشهد للحسين عند الشيعة، وللخضر وغيره عند جهال أهل السنة، طهر الله أرض المسلمين من هذه الأوثان، ومن جميع مظاهر الشرك.
(٥) الحميري / ((الروض المطار في خبر الأقطار)) (ص ٤٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>