للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويؤيد هذا ما ورد في رسالة (السيرة المستقيمة) التي ألفها حمزة بن علي، وجاء فيها: (ولكني أذكر لكم في هذه السيرة وجوها قليلة العدد، كثيرة المنفعة، لمن تفكر فيها، فأول ما أختصر في القول ما فعله المولى سبحانه مع برجوان وابن عمار، وهو يومئذ ظاهر لا يراه العامة إلا على قدر عقولهم، ويقولون صبي السن، وملك المشارقة كافة مع برجوان، ولابن عمار ملك المغاربة. فأمر مولانا بقتلهم فقتلوا قتل الكلاب، ولم يخش من تشويش العساكر والاضطراب، وأما أمر ملوك الأرض فما يستجري أحد منهم على مثل ذلك، ثم أمر بقتل ملوك كتامة وجبابرتها بلا خوف من نسلهم وأصلابهم، ويمشي أنصاف الليالي في أوساط ذراريهم وأولادهم بلا سيف ولا سكين. شاهدتموه في وقت أبي ركوة الوليد بن هشام الملعون، وقد أضرم ناره، وكانت قلوب العساكر تجزع في مضاجعهم مما رأوه من كسر الجيوش، وقتل الرجال، وكان المولي جلت قدرته يخرج أنصاف الليالي إلى صحراء الجب، ويلتقي به حسان بن عليان الكلبي في خمسمائة فارس، ويقف معهم بلا سلاح ولا عدة، حتى يسأل كل واحد منهم عن صاحبه، ثم إنه يدخل في ظاهر الأمر إلى صحراء الجب، وليس معه غير الركابية والمؤذنين ... إلى أن يقول: (إنكم ترون من أمور تحدث بما شاهدتموه من المولى ما لا يجوز أن تكون أفعال أحد من البشر، لا ناطق، ولا أساس، ولا إمام، ولا حجة، فلم تزدادوا بذلك إلا عمى وقلة بصيرة) (١). (وقد بدأ ظهور المذهب الجديد، حينما قام الدرزي (وهو أحد دعاة المذهب في أول ظهوره)، وأعلن الدعوة سنة ٤٠٧ هـ، ثم قام سنة ٤٠٨ هـ ومعه خمسمائة من أصحابه وأتباعه بالحج إلى قصر الحاكم فهاجمهم الناس والجند) (٢).

والمؤرخون يذكرون ثلاثة من الدعاة الكبار الذين أسسوا هذا المذهب، وهم: حمزة بن علي بن أحمد الزوزني (الذي أصبح إمام المذهب فيما بعد)، ومحمد ابن إسماعيل الدرزي المعروف بـ (نشتكين)، والحسن بن حيدرة الفرغاني المعروف بـ (الأخرم أو الأجدع). (ويرجح الدكتور محمد كامل حسين أنهم كانوا جميعًا من حاشية الحاكم الذين لم يفارقوه مدة الوصاية عليه، وخاصة حمزة بن علي، الذي استأثر بكل شيء وبالتمجيد كله) (٣).


(١) ((رسالة السيرة المستقيمة)).
(٢) أحمد الفوزان ((أضواء على العقيدة الدرزية)) (ص ١٦).
(٣) محمد كامل حسين ((طائفة الدروز)) (ص ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>