للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد وقع الخلاف بين حمزة، والدرزي منذ ذلك الحين، لتسرع الدرزي في الكشف عن المذهب الجديد، ولذلك نجد أن حمزة عمد إلى إظهار دعوى ألوهية الحاكم سنة ٤٠٨ هـ، والتي يعتبرها الدروز أولى سني تقويمهم، وبعد هذه الدعوى اضطربت الأحوال في مصر، وهاجمت الناس هؤلاء الدعاة في كل مكان، مما دفع الدرزي إلى الاحتماء في قصر الحاكم، والهرب فيما بعد إلى الشام. واضطر حمزة بعد الذي حدث، أن يغيب عن الأنظار في سنة ٤٠٩ هـ، والتي يعتبرها سنة غيبة. من كل هذا نرى أن الحاكم كان يقف من هذه الدعوة موقف التأييد والرعاية، ويشد أزرهم ويمدهم بالمال والنصح، ويسهر على حمايتهم من الناس، ويقول حمزة في رسالة (الغاية والنصيحة) مؤكدًا على حماية الحاكم له ولأتباعه، عندما هاجمهم الناس والجند في المسجد الذي كان يحتمي فيه: (وقد اجتمعت عند المسجد سائر الأتراك بالجيوش، والزرد، والخوذ، والتحافيف، ومن جميع العساكر والرعية زائدًا عن عشرين ألف رجل، فقد نصبوا على القتال بالنفط، والنار، ورماة النشاب، والحجار، ونقب الجدار والتسلق إلى الحيطان بالسلالم يومًا كاملاً، وجميع من كان معي في ذلك اليوم اثنتى عشر (١) نفسًا، منهم خمسة شيوخ كبار، وصبيان صغار لم يقاتلوا، فقتلنا من المشركين (٢) ثلاث أنفس، وجرحنا منهم خلقًا عظيمًا لا يحصى، حتى طال على الفئة القليلة الموحدة القتال، وكادت الأرواح تتلاشى وتبلغ التراق، وخافوا كثرة الأضداد والمراق، وغلبة المنافقين والفساق، فناديتهم: معاشر الموحدين: اليوم أكملت لكم دينكم بالجهاد، وأتممت عليكم نعمته والسداد، وأرضى لكم التسليم لأمره بالجهاد، وما يصيبنا إلا ما كتب الله علينا هو مولانا وعليه فليتوكل المؤمنون. معاشر الموحدين قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون (٣)، قاتلوا أقوامًا نكثوا أيمانهم يعني عهدهم وهموا بإخراج الرسول، وهو قائم الزمان، وهم بدؤوكم أول مرة، يعني دفعة الجامع، فلا تخشوهم فمولانا جل ذكره أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وينصركم عليهم ويشفي صدور قوم مؤمنين. فما استتميت (٤) كلامي لهم، حتى صار مولانا جل ذكره وتجلى للعالمين بقدرته سبحانه، فصعقت من في السموات والأرض، فانقلبوا المنافقين على أعقابهم خائبين، فلمولانا الحمد والشكر أبد الآبدين) (٥).ونستطيع أن نذهب إلى أبعد من ذلك، فنقول: أن الحاكم كان يشرف على توجيه الدعوة، ويشترك في تنظيمها وتغذيتها بطريقة فعلية، وهذا ما يذكره لنا حمزة في رسائله، فمثلاً في رسالة (البلاغ والنهاية) يقول ما يلي: (تأليف عبد مولا جل ذكره، هادي المستجيبين، المنتقم من المشركين بسيف مولانا جل ذكره، رفع نسختها إلى الحضرة اللاهوتية بيده في شهر المحرم الثاني من سنينه المباركة) (٦).


(١) هكذا وردت، والصحيح (اثنا عشر).
(٢) يقصد المسلمين.
(٣) يبدأ حمزة بإيراد هذه الآيات من سورة التوبة بشكل محرف وحسب ما يريد ويبغي والآيات الصحيحة هي كما يلي: وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ * التوبة: ١١٢ – ١١٤ *.
(٤) هكذا وردت والصحيح (استتمت).
(٥) ((رسالة الغاية والنصيحة)).
(٦) ((رسالة البلاغ والنهاية)).

<<  <  ج: ص:  >  >>