ويقول في رسالة (الصبحة الكائنة) ما يلي: (فتأييد مولانا سبحانه واصل إلي، ورحمته وأفضاله ظاهرة وباطنة علي، وجميع أصحابي المستجيبين عزيزين مكرمين في الشرطة، والولاية، وأصحاب السيارات، مقضون الحوائج دون سائر العالمين، ورسلي واصلة بالرسائل والوثائق إلى الحضرة اللاهوتية التي لا تخفى عنها خافية، لا في السر، ولا في العلانية، وقد أوعدني مولانا جلت قدرته في ظاهر الأمر مضافًا إلى مواعيده الحقيقة التأييدية، وهو منجز مواعيده وقت يشاء كيف يشاء بلا تقدير عليه)(١).
غير أن مطاردة دعاة الحاكم وتمزيقهم بهذه القسوة من الناس، دون اكتراث لما أولاهم به من رعاية ظاهرة، قد أثار في نفسه غضبًا على الجند والناس، لأنهم تجرؤوا على ذلك، وعول على الانتقام لنفسه وللدعاة.
وينقل الأستاذ محمد عبد الله عنان عن الوزير جمال الدين في (أخبار الدول المنقطعة) تفصيلاً دقيقًا لما حدث فيقول: (اعتزم الحاكم أن ينكل بمصر وأهلها، فاستدعى العرفاء والقادة ونظم معهم خطة العمل، وعهد إلى مقدمي العبيد وغيرهم من الطوائف بافتتاح الهجوم، فأخذوا يغيرون على أحياء مصر في هيئة عصابات، وينهبون الحوانيت والسابلة، ويخطفون النساء من الدور، والشرطة تغضي عن جرائمهم، والحاكم معرض عن كل شكاية وتضرع، وكان ذلك في جمادى الآخرة سنة ٤١١ هـ.
ثم اتسع نطاق الاعتداء، فهاجمت قوى العبيد والترك والمغاربة مصر من كل صوب، وأضرموا النار في أطرافها، وهب أهل مصر للدفاع عن أنفسهم، واستمرت المعارك بين الفريقين ثلاثة أيام، وألسنة اللهب تنطلق من المدينة القديمة إلى عنان السماء، والحاكم يركب كل يوم إلى الجبل، ويشاهد النار، ويسمع الصياح، ويسأل عن حقيقة الأمر، فيقال له: إن العبيد يحرقون مصر وينهبونها، فيظهر الأسف والتوجع، ويقول: ومن أمرهم بهذا لعنهم الله؟!.