للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يمضي إلى البستان المعروف (بالدكة) وهي دليل على السابق، وهو دكة العالم، وعلومهم منهم، وهذا البستان المعروف بالدكة، على شاطئ البحر، وكذلك علم التأويل ممثوله البحر، والمستجيب للعهد إذا بلغ علم السابق ومعرفته، حسب أنه قد بلغ الغاية والنهاية في العبادة.

وبستان الدكة، مع جلالته، ملاصق لموضع الفحشاء والمنكر، دون سائر البساتين، دليل على أن علم السابق واصل بالنطقاء، الذين هم معادن النواميس الفانية الحشوية، والأعمال الفاحشة الدنية.

والمقس دليل على الناطق، وما في المقس من الفحشاء والمنكر دليل على شريعته، والنساء الفاسدات اللواتي فيه، دليل على دعاة ظواهر شريعته، وارتكابهم الشهوات البهيمية في طاعته. ثم إنه علينا سلامه ورحمته، يخرج إلى الصناعة (١) ويدخل من بابها، ويخرج من الآخر. والصناعة دليل على صاحب الشريعة، والصناعة ممنوعة من دخول العالم فيها والخروج لإضافة الشريعة، فدخول مولانا جل ذكره فيها من باب وخروجه من باب، دليل على تحريم الشريعة وتعطيلها.

ثم إنه – علينا سلامه ورحمته – يدور حول البستان المعروف بالحجازي، وهو دليل على الكلمة الأزلية، والدوار حوله بلوغ إلى الكشف بلا سترة تحوط بالدين، ثم إنه – جل وعز سلطانه – يبلغ إلى القصور، وهما قصران عظيمان خرابان دليل على بطلان الشريعة وخرابها.

ثم إنه – علينا سلامه ورحمته – يدخل من باب البستان المعروف بالمختص، وهو دليل على التالي، إذ كان التالي مختصًا بعلمه الأساسي والتأويل. وأكثر العالم يميلون إليه، وهو هيولي العالم الجرماني. ومن الشيعة من يعتقد ويعبد التالي، ومن الشيعة من يقول بأن التالي مولانا، وهذا هو الكفر والشرك. وإنما هو التالي الذي عجز الناس عن معرفته، وهو الجنة المعروفة بالمختص، متصلة بالجنة المعروفة بالعصار. والعصار دليل على الناطق، لأنه يعصر علم التالي فيخرج منه الحقيقة والتوحيد، فيكتمه عن العالم الغبي ويظهر لهم الثفل، وهو الكسب (٢) الذي لا ينتفع به غير البهائم.

كذلك البستان المعروف بالعصار، وهو خراب من الفواكه والأشجار والرياحين والأثمار، وبستان المختص عامر بالفاكهة والأزهار، والرياحين والأشجار، ومنه يخرج الماء إلى الحوض الذي تشرب منه البهائم. والماء هو العلم، والحوض هو المادة الجارية من التالي، والدواب هم النطقاء والأسس. كذلك العلم يخرج من التالي إلى الأساس في كل عصر وزمان، والسابق ممد الناطق، ومن الفاتق إلى الراتق، ومن السابق إلى الطالب الطارق. وهذان البستانان بين المسجدين المعروفين بمسجد تبر (٣)، ومسجد ريدان (٤)، فمسجد ريدان محاذي بستان العصار، ومسجد تبر محاذي بستان المختص.

ومسجد تبر دليل على الناطق، والتبر دليل على الذهب، والذهب دليل على إذهاب شريعته، وهذا المسجد لم تصل فيه صلاة جماعة قط، دليل على أن ليس للناطق ولا لمن تبعه اتصال بالتوحيد.


(١) يقصد دار الصناعة.
(٢) وهي التفل الذي يتخلف عن المواد التي تعصر مثل السمسم والقمح وبذر القطن، وما شابه ذلك، وتقدم علفا للبهائم، وقد جرى الآن تجفيفها بطرق صناعية، وأصلها فارسية (كشب)، قال في لسان العرب هي عصارة الدهن، غير أن المعروف الآن ما ذكر أولاً.
(٣) مسجد قرب القاهرة بجانب منطقة (المطرية)، وينسب إلى تبر الأخشيدي، الذي ثار على كافور الأخشيدي، ودفن في هذا المسجد.
(٤) الراجح أن نسبة هذا المسجد إلى ريدان، الوزير الذي ولاه الحاكم الوزارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>