للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقوفه في ظاهر الأمر، وحاشاه من الوقوف والسير والجلوس والنوم واليقظة، لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:٢٥٥]، يعني النطقاء والأسس، مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ [البقرة:٢٥٥]، يعني من ذا الذي يقدر على إطلاق داع أو مأذون إلا بمشيئته، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:٢٥٥]، يعني من آدم إلى محمد بن إسماعيل، وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ يعني حجته، إِلاَّ بِمَا شَاء وهو المشيئة أعظم الدرجات، وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ والكرسي هو التأييد الذي يصل إلى الحدود العالية، وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة:٢٥٥]، وهما الجناح الأيمن والجناح الأيسر، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:٢٥٥]، العالي على كل من تقدم ذكره ومن تأخر ممن ينتظرهم الشيعة المشركون. وكان وقوفه عند الميل (١)، والميل دليل على التأييد، إذ كانت الأميال يستدلون بها على الطريق، كذلك التأييد بطرق العبد من المعبود، ويعود إلى الوجود، ونزوله إلى الأرض محاذي باب المسجد إشارة منه إلى عبد باب حجابه على خلقه، والداعي إليه بتأييده وأمره، إذ كان التأييد هو الأمر العالي الذي يكون بلا واسطة بشريه، والباب دليل على الحجة.

ونزوله عن الحمار إلى الأرض وركوبه آخر كان في نفس آذان الزوال، وصلاة الزوال دليل على الناطق، وتغيير مولانا جل ذكره الحمار في نفس وقت الأذان، دليل على إزالة الظاهر.

ويكون اعتمادهم من موضع تغييره، وهو يسمى المقام المحمود، والمشهد الموجود، والمنهل العذب المورود إلى قصر مولانا الحاكم بذاته، وهو المقام المحمود، محاذي باب شريعة روحانية وعلوم حاكمية، وأنا أذكرها لكم في غير هذا الكتاب إن شاء مولانا، وبه التوفيق في جميع الأمور، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو حسبي ونعم النصير المعين.

ثم إن مولانا علينا سلامه ورحمته، لابد له في كل ركبة من الإِعادة إلى البساتين المعروفين بالمقس، دليل على إظهار النشوء الثالث الخارج من الكفر والشرك، وهما الظاهر والباطن، وهو توحيد مولانا جل ذكره.

ودخوله إلى القصر من الباب الذي يخرج منه، والسرداب بعينه دليل على إثبات الأمر، وكشف الطرائق بكتب الوثائق، ورجوع الأمر إلى ما منه بدأ روحانية غير تكليفية، ولا ناموسية شيطانية، ولا زخارف هامانية، أعاذنا المولى وإياكم من الشك فيه، والشرك به بمننه وفضله، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وأما نزوله في ظاهر الأمر إلى مصر، وما شاهدناه، ففيها تمكن الشيطان الغوي لعنه الله من قلوب العامة الحشوية (٢)، والعقول السخيفة الشرعية مما يسمعون من ألسن الركابية قدام مولانا جل ذكره بما يستقر في عقولهم السخيفة من كلام الهزل والمزاح، ولم يعرفوا أن فيه حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ [القمر:٥].


(١) منار يبنى للمسافر في أنشاز الأرض وأشرافها، وقيل للأعلام المبنية في طريق مكة أميال لأنها بنيت على مقادير مدى البصر من الميل إلى الميل، وكل ثلاثة أميال منها فرسخ. انظر ((لسان العرب)) (١١/ ٦٣٩).
(٢) هذا التعبير يستعمله الشيعة، ويقصدون به ذكر أهل السنة، وقد تبعهم على ذلك من غير وعي بعض الكتاب في القديم والحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>