للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأول مسيره إلى المشاهد الثلاثة، وليس فيها آذان ولا إقامة ولا صلاة جماعية، إلا في الأوسط الذي هو المنهج الأقوم، والطريق الأسلم التي من سلكها نجا، ومن تخلف عنها هلك وغوى. ثم إنه علينا سلامه ورحمته، يسير إلى راشده (١)، أيضًا ثلاثة مساجد متفاوتات في بنيانها، وأحسن ما فيهم وأعلاهم وأفضلهم، الذي يصلي الخطيب فيه يوم الجمعة، وتصلي فيه خمس صلوات على دائم الأيام، وهو الوسطاني، وهو دليل على توحيد مولانا جل ذكره، وإثبات خمسة حدود علوية فيه، وهو دليل على حجة الكشف.

والمسجدان اللذان معه متفاوتان في البناء، دليل على الناطق والأساس، وكذلك الناطق في ترتيب حدوده، أفضل من الأساس، والأساس أعظم شأنًا في ترتيب الباطن ورموزه من الناطق في المعقولات والبيان، فلما ظهر التوحيد زالت قدرتها جميعا، وسميت (راشدة) لأن بمعرفة الحجة وهدايته، والأخذ منه يرشد المستجيبون ويبلغون نهاية توحيد مولانا جل ذكره. ثم إن علينا سلامه ورحمته، يدور حول هذا المسجد الوسطاني في ظاهر الأمر دليل على التأييد لعبده، وقدام المسجد عقبة صعبة الصعود لمن يسلكها، وليس إلى القرافة (٢) محجة إلا على هذه العقبة دليل على البراء من الأبالسة، أصحاب الزخرف والناموس وليس للعالم نجاة إلا بالبراءة منهم، كما أن المحجة على هذه العقبة، وهي صعبة مستصعبة لكن فيها افتكاك الرقبة، وهو التخلص من الشريعتين الظاهر والباطن.

أما ما يرونه من وقوفه في الصوفية، واستماعه لأغانيهم، والنظر إلى رقصهم، فهو دليل على ما استعمل من الشريعة التي هي الزخرف واللهو واللعب، وقدرنا هلاكهم.

وأما بئر الزئبق، فهو دليل على الناطق، من فوقه واسع، ومن أسفله ضيق، كذلك الشريعة دخولها سهل واسع، والخروج منها صعب ضيق، لكن من يقفز في هذا البئر ويعرف سره ويقف على معناه، ويريد المولى نجاحه خرج من بابه، وهو دليل على أساسه، والوقوع في الشريعة لابد منه حتما لزما لكل أحد، ويخلص المولى من يشاء برحمته منها، كما قال الناطق في القرآن وَإِن مِّنكُمْ إِلا وَارِدُهَا [مريم:٧١] يعني السابق، حَتْمًا مَّقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا [مريم:٧٢] من الناطق وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ [مريم:٧٢] يعني أهل الظاهر، فِيهَا جِثِيًّا [مريم:٧٢] يعني حيران حزينًا دائمًا. ومن خرج من هذا البئر سالمًا أخذ من الحكام ما يستنفع به، كذلك من كان تحت الشريعة وعلم التأويل ورموزه وتخلص من شبكتيهما جميعًا وعلم ما يراد منه، وصل إلى التوحيد، واستنفع بدينه ودنياه، ومن قفز فيهما: ... لا قوة، وهما السابق والتالي انكسرت رجلاه واندق عنقه، دليل على أن من انقطع من السابق والتالي الذين هما الأصلان المحمودان وخالفهما (خسر الدنيا والآخرة، ذلك الخسران المبين) (٣).


(١) يقصد جامع راشدة، وهو الذي بناه الحاكم، على القرب من (الرصد)، وكان قبل ذلك جانب المكان الذي بني عليه جامع راشدة، جامع بهذا الاسم، ولما بني هذا الجامع سمي بهذا الاسم، وهو نسبة إلى قبيلة عربية اسمها (راشدة).
(٢) وهي مقبرة القاهرة، وتسمى بهذا الاسم.
(٣) *الحج: ١١ *، وقد أسقط كلمة (هو) بعد كلمة (ذلك).

<<  <  ج: ص:  >  >>