للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رسالة (الإعذار والإِنذار) يصرح حمزة فيها بأنه الإِمام وأنه سيغيب أيضا، على أن يرجع مرة أخرى بعد قليل، ويصرح بهاء الدين المقتني أنه عندما غاب المعبود (أي الحاكم)، امتنع قائم الزمان (أي حمزة) عن الوجود، فمن ذلك كله نقول: إن حمزة خاف على نفسه بعد اختفاء الحاكم، واختفى هو الآخر. وقد قام بأمر الدعوة في غيبة حمزة، الداعي بهاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد السموفي، المعروف بالضيف، لأن مرتبته في الدعوة هي مرتبة الجناح الأيسر أو التالي، وهذه المرتبة يكون صاحبها لسان الدعوة، واستمر بهاء الدين الضيف يحمل عبء هذه الدعوة، ويكتب رسائله إلى الملوك والأمراء يدعوهم إلى الدخول في مذهبه، كما كتب إلى الذين خرجوا عن المذهب بعد أن كانوا من دعاته أمثال سكين (١).وقد كثرت الآراء الجديدة من معتنقي المذهب الجديد، مما جعل بهاء الدين يهدد أتباعه باعتزال الدعوة، وبالفعل اعتزلها سنة ٤٣٤ هـ، بعد أن أقفل باب الاجتهاد، حرصًا على المبادئ التي وضعها حمزة والتميمي وبهاء الدين نفسه، ولذلك لم يظهر مشرعون بعد بهاء الدين، بل أصبح شيوخ الدروز يشرحون رسائل حمزة والتميمي وبهاء الدين) (٢).تلك هي نظرية دعاة الدروز ومزاعمهم في غيبة الحاكم وفي رجعته، ولم يجد أصحاب هذه الدعوة ملجأ لها، إلا وادي التيم في الشام بعد انهيار دعوتهم في مصر، وحاولوا بشروحهم ومزاعمهم الجديدة أن يستبقوا ولاء شيعتهم وأنصارهم هنالك، من قبيلة تنوخ وغيرهم الذين استمالهم الدرزي عندما هرب من بطش الجند والناس في مصر، ومازالت بقيتهم إلى يومنا هذا، (وهم طائفة الدروز حيث يعيشون الآن في لبنان وسوريا وفلسطين) (٣)، في مجتمع مغلق على نفسه بسرية تامة، فلا يسمحون لأي إنسان أن يعتنق مذهبهم أو أن يتعرف أحد على مبادئه، فلا جدوى عندهم أن تعرض على أي كادر أن يصبح درزيًا، فكل إنسان يظل على ما هو عليه، لأن الروح الدرزية تنتقل بعد الموت وتتقمص في جسد درزي آخر (٤).هذا وقد ظهر بين الدروز في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، أي بعد قيام الدعوة الدرزية بأكثر من أربعة قرون ونصف، عالم درزي اسمه الأمير جمال الدين عبد الله التنوخي (٥)، والذي تذكر عنه الروايات أنه كان صالحًا فقيهًا حاول أن يعيد الدروز إلى الإسلام من جديد، وذلك بدعوتهم لقراءة القرآن وبناء المسجد والقيام بأركان الإسلام، ولكن يبدو أن ثمرة جهوده قد اندثرت بعد وفاته وعاد الدروز إلى ما كانوا عليه.

وقد عثرت على مخطوط عنوانها (رسالة في معرفة سر ديانة الدروز) ومؤلفها مجهول، ويبدو أنها كتبت قبل فترة ليست بالطويلة، وذلك من خلال أسلوبها ولهجتها اللبنانية، وسنورد بعض المقتطفات فيها هنا، وهي تبين لنا بشكل واضح أهم معتقدات الدروز وتطورها بعد مقتل الحاكم، والرسالة كتبت على طريقة السؤال والجواب كما يلي:

س: أدرزي أنت؟

ج: نعم بنعمة مولانا الحاكم سبحانه.

س: ما هو الدرزي؟

ج: هو الذي كتب الميثاق بعد مولانا الخالق.

س: ماذا فرض عليكم؟

ج: صدق اللسان، وعبادة الحاكم، وباقي الشروط السبعة.


(١) أحد دعاة الدروز، والذي أصدر بهاء الدين كتابا بتقليده، ثم انقلب بعد ذلك عليه، حيث ادعى أنه الحاكم بأمر الله وذلك بعد مقتل الحاكم بمدة طويلة، وهذا بسبب الشبه الظاهري بينهما، مما جعل بهاء الدين يتبرأ منه ويذمه.
(٢) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز))، (ص ٨٣ - ٨٤).
(٣) سليم أبو إسماعيل: ((الدروز وجودهم ومذهبهم وتوطنهم))، (ص ٤١ – ٤٥).
(٤) كمال جنبلاط ((هذه وصيتي)) (ص ٥٤).
(٥) يقول الأستاذ زهير الشاويش عن التنوخي: (هو المعروف عندهم بالسيد، وقبره ظاهر في بلدة (عبية)، في جنوب عالية وسوق الغرب في جبل لبنان).

<<  <  ج: ص:  >  >>