للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - أنه قد لو كان بدهياً لامتنع اتفاق الجمع العظيم على إنكاره وهم من سوى الحنابلة والكرامية.

٥ - أما التوجه عند الدعاء إلى العلو فلأن السماء قبلة الدعاء وهو منقوض بوضع الجبهة على الأرض.

٦ - كما اعترضوا بكون العالم كرة، ولا فرق بين الفوق والتحت.

وقد ناقش شيخ الإسلام ذلك كما يلي:

١ - أما حججهم التي ذكروها من لزوم التجسيم والتركيب والتناهي والتحيز وغيرها فقد سبق الجواب عنها وبيان ما فيها من الإجمال وذلك في المسألة الأولى ضمن مسائل هذا المبحث، وقد استقصى شيخ الإسلام حججهم هذه كما ذكرها الرازي في كتابين من كتبه هما: (الأربعين)، و (أساس التقديس)، ورد عليها كلها في منهجه المعروف من حكاية الأقوال، ثم مناقشتها وبيان تناقض الخصوم، وردود بعضهم على بعض. وإذا تبين بطلان هذه الحجج – التي سموها براهين – وجب الرجوع إلى ما يدل عليه السمع والعقل (١).

٢ - أما اعتراضه على أدلة السمع المثبتة بأنها معارضة بالأدلة العقلية، فهذه أيضا سبق تفصيلها في المنهج العام في الرد على الأشاعرة وقد أفرد شيخ الإسلام مسألة العلو – وبين كيف عارض الرازي أدلتها النقلية بأدلة العقول – ثم رد عليه من وجوه عديدة منها: أ- أن القول بأن الله فوق العالم معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، كالعلم بالأكل والشرب في الجنة، والعلم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ونصوص العلو متواترة مستفيضة وثبوتها أعظم من ثبوت كثير مما يقر به هؤلاء كأحاديث الرجم، والشفاعة، والحوض، والميزان، وسجود السهو وغيرها (٢).ب- أن نصوص العلو صريحة لا تقبل التأويل، بل التأويلات في ذلك من جنس تأويلات القرامطة والباطنية وهي معلومة الفساد ضرورة (٣).

ج- "أن يقال: لا نسلم أنه عارض ذلك دليل عقلي أصلا، بل العقليات التي عارضتها هذه السمعيات هي من جنس شبه السوفسطائية التي هي أوهام وخيالات غير مطابقة، وكل من قالها لم يخل من أن يكون مقلدا لغيره، أو ظانا في نفسه، وإلا فمن رجع في مقدماتها إلى الفطر السليمة واعتبر تأليفها، لم يجد فيما يعارض السمعيات برهانا مؤلفا من مقدمات يقينية تأليفا صحيحا. وجمهور من تجده يعارض بها أو يعتمد عليها، إذا بينت له فسادها وما فيها من الاشتباه والالتباس، قال: هذه قالها فلان وفلان، وكانوا فضلاء، فكيف خفي عليهم مثل هذا؟ فينتهون بعد إعراضهم عن كلام المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وإجماع السلف الذين لا يجتمعون على ضلالة، ومخالفة عقول بني آدم التي فطرهم الله عليها – إلى تقليد رجال يقولون: إن هذه القضايا عقلية برهانية، وقد خالفهم في ذلك رجال آخرون من جنسهم، مثلهم وأكثر منهم ... " (٤).ثم ذكر بقية الأوجه (٥).

والقول بتقديم العقل على السمع من أصول البلايا التي بلى بها أهل الكلام، حيث أصبحت عندهم كالمخرج عندما يضايقهم أئمة السنة بالنصوص.


(١) انظر: ((أساس التقديس)) للرازي (ص: ٤٥ - ٦١) – ط الحلبي، و ((الأربعين للرازي)) (ص: ١٠٦ - ١١٣)، وانظر: الرد على هذه الحجج مستوفى في ((درء التعارض)) (٦/ ٢٨٦ - ٣٤٤)، و ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (٢/ ٤٥ - ٣١٩). وقد ذكر في الأربعين ست حجج، وفي أساس التقديس ثمانية براهين، وقد رد شيخ الإسلام على كل واحد منها من وجوه عديدة.
(٢) انظر: ((درء التعارض)) (٧/ ٢٦ - ٢٧).
(٣) انظر: ((درء التعارض)) (٧/ ٣٧).
(٤) انظر: ((درء التعارض)) (٧/ ٣٧ - ٣٨)، وانظر: بقية المناقشة وهي مهمة جدا.
(٥) انظر: ((درء التعارض)) (٧/ ٣٩، ٤١، ١٣٠، ١٣٤، ١٣٧). وانظر أيضا: ((القاعدة المراكشية)) (ص: ٤٣ - ٤٤) – ط دار طيبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>