للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعيد فأقول: إنني قد سلمت روحي وجسمي وما ملكت يداي وولدي لمولانا الحاكم جل ذكره، ورضيت بجميع أحكامه لي أو علي، غير معترض ولا منكر منها شيئا، سرني ذلك أم ساءني، وإذا رجعت أو حاولت الرجوع عن دين مولانا الحاكم جل ذكره، والذي كتبته الآن وأشهدت به على روحي ونفسي، أو أشرت بالرجوع إلى غيري، أو جحدت أو خالفت أمرًا أو نهيًا من أوامر مولاي الحاكم جل ذكره ونواهيه. كان مولاي الحاكم جل ذكره، بريئًا مني واحترمت الحياة من جميع الحدود، واستحقت علي العقوبة في جميع أدواري من بارئ الأنام جل ذكره، وعلى هذا أشهدك ربي ومولاي، من بيدك الميثاق، وأقر بأنك أنت الحاكم الإِله الحقيقي المعبود، والإِمام الموجود جل ذكره، فاجعلني من الموحدين الفائزين الذي جعلتهم في أعلى عليين، ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين، مولاي إن تشاء آمين) (١).وقد أورد القلقشندي نصا غريبا ليمينهم هذا، لا يتوافق مع معتقداتهم، وخاصة بالنسبة للدرزي، الذي يصفه هذا القسم بأنه: الحجة الرضية، وهذا ما لا يقبله الدروز ويرفضونه (٢)، وهكذا فإن هذا الميثاق وغيره يبتر حبل الصلة بين المستجيب وكل ما يؤمن به سواه، ويدفعه لتلقي كل ما يرويه حمزة وتلاميذه – مرورًا ببهاء الدين وانتهاء بجنبلاط – عن الحاكم بالرضى والتسليم.

ويوضح حمزة في (الرسالة الموسومة بكشف الحقائق) لماذا أظهر اللاهوت ناسوته؟ فيقول:

(لكنه سبحانه أظهر لنا حجابه الذي هو محتجب فيه، ومقامه الذي ينطق منه ليعبد موجودًا ظاهرًا، رحمة منه لهم ورأفة عليهم، والعبادة في كل عصر وزمان لذلك المقام الذي نراه ونشاهده ونسمع كلامه ونخاطبه، فإن قال قائل: كيف يجوز أن نسمع كلام الباري سبحانه من بشر، أو نرى حقيقته في الصور؟

قلنا له: بتوفيق مولانا جل ذكره وتأييده، أنتم جميع المسلمين واليهود والنصارى، تعتقدون بأن الله عز وجل خاطب موسى بن عمران من شجرة يابسة، وخاطبه من جبل جامد أصم، وسميتموه كليم الله لما كان يسمع من الشجرة والجبل، ولم ينكر بعضكم على بعض، وأنتم تقولون بأن مولانا جل ذكره ملك من ملوك الأرض، ومن وُلي على عدد من الرجال، كان له عقل الكل، ومولانا جل ذكره يملك أرباب ألوف كثيرة ما لا يحصى ولا يقاس فضيلته بفضيله، شجرة أو حجر، وهو أحق بأن ينطق الباري سبحانه على لسانه، ويظهر للعالمين قدرته منه، ويحتجب عنهم منه. فإذا سمعنا كلام مولانا جل ذكره قلنا: قال الباري سبحانه: كذا وكذا، لا كما كان موسى يسمع من الشجرة هفيفًا فيقول: سمعت من الله كذا وكذا، وهذه حجة عقلية لا يقدر أحدكم ينكرها. وقد اجتمع في القول بأن لمولانا جل ذكره عقول الأمة، وأن الشجرة والحجر لا تفهم وتعقل عن الله (٣)، ومن يفهم ويعقل عن الله أحق بكلام الله وفعله ممن لا يعقل عنه، وإن كانت الشجرة حجابه، فالذي يعقل ويفهم أحق أن يكون حجاب الله ممن لا يعقل ولا يفهم، وكيف يجوز الباري سبحانه أن يحتجب في شجرة ويخاطب كليمه منها ثم تحرق الشجرة ويتلاشى حجابه، سبحان الإِله المعبود عما يصفون، لا يدرك ولا يوصف مولانا الحاكم جل ذكره وحجابه في كل عصر وزمان باختلاف الصور والأسماء، كما نطق القرآن: (كل يوم هو في شأن لا يشغله شأن عن شأن).


(١) ((مصحف الدروز عرف العهد والميثاق))، (ص ١٠٧ – ١١٠).
(٢) انظر القلقشندي: ((صبح الأعشى))، (١٣/ ٢٩٤).
(٣) وقد تعامي عن أن الله قادر على إنطاق الحجر والشجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>