للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الدكتور محمد كامل حسين: (وليس لنا أن نناقش هذه العقيدة، إلا أننا نحب أن نسجل أن ظهور أبي زكريا القرمطي كان أسبق من ظهور القائم بأمر الله. ثم قولهم في (رسالة السيرة المستقيمة): أن القائم كان بمصر وبنى بها بابا يسمى الرشيدية، كل ذلك بعيد عن الحقيقة التاريخية، حقيقة حاول القائم بأمر الله فتح مصر أكثر من مرة ولكن لم يوفق، فكيف أقام بها وشيد بها بابًا؟) (١).

والحقيقة أن الدارس لرسائل الدروز وخاصة رسائل حمزة يجد المغالطات التاريخية التي لا تخفى على أحد، وخصوصًا عندما يتحدث حمزة عن ظهوراته أيضًا في المقامات المختلفة من زمن آدم عليه السلام إلى زمن محمد صلى الله عليه وسلم.

وكل هذا يدل دلالة واضحة على الشعوذات والمغالطات التاريخية التي أتبعها حمزة في إثبات معتقداته.

غير أن هناك نقطة مهمة في هذا الموضوع أحب أن أوضحها، وهي أن المقام الأخير من ظهور اللاهوت بالناسوت – أعني ظهور الحاكم – كان الظهور الأخير من ظهور المعبود.

لأن المعبود غضب – بعد ذلك – على كل خلقه ماعدا الموحدين؟! ولذلك أغلق باب دعوته فغاب إلى داخل السور المسمى (سد الصين) ليبقى إلى أن يشاء ثم يظهر يوم الدين. وهذا ما يقوله حمزة في (رسالة الأسرار ومجالس الرحمة والأولياء)، أما متى سيكون يوم الدين فهذا ما تحدث عنه حمزة مرارا بأنه سيكون قريبًا، وبذلك يكون انتهاء هذا الدور، كما صرح حمزة: أن الأدوار السابقة سبعون دورًا ومن كل دور واحد سبعون أسبوعًا وكل أسبوع سبعون سنة، وكل سنة ألف سنة من السنين التي يعدها البشر (٢)، وفي كل هذه الأدوار ظهر المعبود في نفس الصور التي ظهر في هذا الدور الذي نعيش فيه، وبذلك يكون عدد ظهور المعبود في كل الأدوار حوالي سبعمائة مرة) (٣). والغريب أن كمال جنبلاط يحدد ظهور التجلي الإِلهي الجديد في حدود سنة (٢٠٠٠ م)، حيث يتنبأ بظهور التجلي الإِلهي والحكيم من جديد، وعندها يفتح الطريق من جديد ويصير بإمكان جميع الناس في كافة أصقاع العالم سلوكها (٤).

ويقول المقتني بهاء الدين عن يوم الدين حسب وجهة نظره: وأنتم تعلمون معاشر الإِخوان، وفقكم المولى لطاعته وسددكم عرضاته، أن قد صح عندكم أن الدنيا قد أفناها مولانا الحاكم سبحانه، وأنكم في أوائل الآخرة ودليلكم على ذلك واضح، وذلك أن مولانا سبحانه أظهر لكم إمام توحيده فنادى بكم وأرشدكم ... واعلموا معاشر الإِخوان، أن لو كان المعبود سبحانه ينتقل بعد هذا الظهور في الأقمصة المختلفة لكان هذا أمر لا نفاذ له، وأمد لا آخر له، وكانت تنفذ الديانة الآن، ويكون هذا يدل على أن من عمل عملاً لم يجازى عليه من ضد وولي) (٥).

ونختتم هذا المبحث عن ألوهية الحاكم، بـ (شعر النفس) الذي نظمه أحد حدودهم: إسماعيل بن محمد التميمي صهر حمزة، وهو موجود بين رسائلهم، يمجد فيه الحاكم الإله المعبود، يقول التميمي في هذا الشعر:

إلى غاية الغايات قصدي وبغيتي ... إلى الحاكم العالي على كل حاكم

إلى الحاكم المنصور عوجوا وأتمموا ... فليس فتى التوحيد فيه ينادم

هو الحاكم الفرد الذي جل اسمه ... وليس له شبه يقاس بحاكم

حكيم عليم قادر مالك الورى ... يؤانس بالاسم المشاع بحاكم

هو الحاكم المولى بناسوته يُرى ... ولاهوته يأتي بكل العظائم


(١) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز))، (ص ١٠٧).
(٢) بعملية حسابية بسيطة تكون عدد السنين هذه (٣٤٣) مليونا، وهذا ما يرجعنا إلى ما قاله كمال جنبلاط أن الموحدين ظهوروا منذ (٣٤٣) مليونا من السنين، ويبدو أنه اعتمد على ما قالته هذه الرسالة وجعلها حجة؟! انظر (ص ٩٩).
(٣) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز))، (ص ١٠٩).
(٤) كمال جنبلاط ((هذه وصيتي)) (ص ٥٠).
(٥) ((رسالة بني أبي حمار)).

<<  <  ج: ص:  >  >>