للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتلوه الزكاة، وقد أسقطها مولانا جل ذكره عنكم بالكلية، وقد سمعتم في مجالس الحكمة الباطنية بأن الزكاة ولاية علي بن أبي طالب والأئمة من ذريته، والتبري من أعوانه أبي بكر وعمر وعثمان، وقد منع مولانا جل ذكره عن أذية أحد من النواصب ... فبان لنا بأن مولانا جل ذكره بطل باطن الزكاة الذي في علي بن أبي طالب، كما بطل ظاهرها، وأن الزكاة غير ما أشاروا إليه في المجلس جميعا، وأنه في الحقيقة توحيد مولانا جل ذكره، وتزكية قلوبكم وتطهيرها من الحالتين جميعًا، وترك ما كنتم عليه قديمًا، وذلك قوله لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: ٩٢]، والبر هو توحيد مولانا جل ذكره ونفقة ما تحبون، الظاهر والباطن، ومعنى نفقة الشيء تركه، لأن النفقة لا ترجع إلى صاحبها أبدًا. الصوم عند أهل الظاهر وكافة المسلمين يعتقدون بأن الناطق قال لهم: ((صوموا لرؤيته)) (١) ويرون في اعتقاداتهم أن من أفطر يومًا واحدًا من شهر رمضان، وهو يعتقد أنه قد أخطأ، وجب عليه صوم شهرين وعشرة أيام كفارة ذلك اليوم، وإن اعتقد أن إفطاره ذلك اليوم حلال له، فقد هدم الصوم كله، ومولانا جل ذكره هدم الصوم بكامله مدة سنين كثيرة بتكذيب هذا الخبر ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) وأمرنا بالإِفطار في ذلك اليوم الذي يعتقد المسلمون كلهم بأنه خاتم الصوم، ولا يكون في نقض الصوم أعظم من هذا ولا أبين منه لمن نظر وتفكر وتدبر. وباطن الصوم فقد قال فيه الشيوخ: بأن الصوم هو الصمت بقوله لمريم. وهي حجة صاحب زمانه (كلي واشربي وقري عينا) (٢) يعني بالأكل علم الظاهر، وبالشرب علم الباطن، (وقري عينا) لمزيده، (فإما ترين من البشر أحدا) يعني أهل الظاهر (فقولي إني نذرت للرحمن) بالأكل على الظاهر، وبالشرب على الباطن، (وقري عينا) لمزيده، (فإما) يعني الإِمام (صوما) أي السكوت ... فبان لنا نقض ما كان في المجلس، وما وصفه الشيوخ من باطن الصوم وسكوته، وأن مولانا جل ذكره فطر الناس في ظاهر الصوم، وفطرهم في باطنه، وهو بالحقيقة غير الصومين المعروفين من الشريعتين، وهو صيانة قلوبكم بتوحيد مولانا جل ذكره، ولا يصل أحد إلى توحيده إلا بتمييز ثلاثين حدا ومعرفتهم روحاني وجسماني وهي: الكلمة، والسابق، والتالي، والجد، والفتح، والخيال، والناطق والأساس، والمتم، والحجة، والداعي، والأئمة السبعة، والحجج الاثنا عشرية، فصار الجميع ثلاثين حدًا. قال (٣): فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: ٩٧]، قال أهل الظاهر عن الناطق: إن الحج هو المجيء إلى مكة والوقوف بعرفات وإقامة شروطه، ورأيت بخلاف قوله: (من دخله كان آمنا)، قالوا: الحرم بمكة، والحرم اثنا عشر مهلا من كل جانب، وقد شاهدنا في هذا الحرم قتل الأنفس، ونهب الأموال، وداخل الكعبة أيضًا السرقة، وهذا من الخلاف والمحال، وجميع ما يعملون به من شروط الحج فهو ضرب من ضروب الجنون، من كشف الرؤوس وتعرية الأبدان، ورمي الجمار، والتلبية من غير أن يدعوهم أحد، وهذا من الجنون.

ومولانا جل ذكره قد قطع الحج سنين كثيرة، وقطع عن الكعبة كسوتها، وقطع كسوة الشيء كشفه وهتكه، ليبين للعالم بأن المراد في غيرها، وليس فيها منفعة.


(١) رواه البخاري (١٩٠٩) ومسلم (١٠٨١)
(٢) الصحيح في الآية فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا *مريم: ٢٦*.
(٣) يلاحظ دائما في رسائل الدروز حينما ترد آية قرآنية، يكتفي بأن يقال (وقوله وقال) ولا يقال: قال تعالى أو قوله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>