وأما قوله: (أن الذي ربى ابنه أو أبناءه كأنه ربى أحد أبنائي) فإن وجود ذلك في كتاب (الأقدس) الذي يعتبر وحي البهاء فإما أن يزعم البهاء أن هذا من كلام الله فيكون قد أثبت له أبناء كما للبشر أبناء وهذه الفرية قد نفاها القرآن لكريم بشدة واعتبرها كبيرة يكاد الكون كله يتشقق لذكرها حيث قال الله عز وجل ذكره: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:٨٨ - ٩٣].
وأما إن كان يعني ابن نفسه هو فقد أبطل زعم أن كتابه وحي من السماء وادعى لنفسه صفات الألوهية في قوله: (كأنه ربى أحد أبنائي عليه بهائي وعنايتي ورحمتي التي سبقت العالمين) فكونه يرعاه ويرحمه برحمته التي سبقت العالمين فإنه ليس بشرا عاديا بل قد شارك الله عز وجل في قدرته على العناية والرحمة التي وجدت قبل وجود العالمين إذن فقد وجد هو قبل العالمين .. إنه اضطراب وخلط عجيب.
وعبارات (الأقدس) مرة تكلم باسم الله ثم فجأة وإذا بها تتكلم باسم البهاء نفسه مما يدل على عدم قدرته على حبك قضيته.
وقد ورد غير ما تقدم ما يلي (سوف يرتفع النعاق من أكثر البلدان اجتنبوا يا قوم ولا تتبعوا كل فاجر لئيم هذا ما أخبرناكم به إذ كنا في العراق وفي أرض السرو في هذا المنظر المنير).
فهو يتحدث عما سيحدث ويوصيهم بعدم اتباع الفجار اللئام – كما يزعم – ثم إذا به يتحدث باسم نفسه فيذكرهم أنه قد أخبرهم بهذا القول في العراق إذ لا يعقل أن الله عز وجل قد كان بالعراق ثم انتقل إلى عكا إذ إن هذه من صفات البشر الذين يعيشون داخل هذا الكون أما إله الكون فهو أكبر من كل شيء سبحانه وتعالى.
وهكذا ظلمات بعضها فوق بعض وتناقض لا يخفى على من أراد الحق إلا أن الضلال إذا تمكن من شخص فإنه يصمه ويعميه عن سماع الحق ورؤيته أعاذنا الله من خذلانه.
هذا جانب من تعاليم البهائية التي كانت امتدادا للبابية وكلاهما كونا ديانة جديدة زعم أتباعها أنها نسخت الإسلام فأي نعمة تستفيدها البشرية من هذه التعاليم التي تتضمن رد الناس إلى الديانة المجوسية وطمس الجوانب الكريمة في الإنسان وإركاسه في مستنقعات الذلة والصغار إذ يحرم عليه أن يشم رائحة الحرية والتي تعتبر قاعدة متينة لكل دعوة صحيحة وقد كانت متمثلة في واقع المجتمعات الإسلامية التي يقول كتابها وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:٧٠]، فأي حياة تلك التي تختفي منها حرية الإنسان.
وهذه الدعوة من البهاء هي دعوة للرضا بالاستعمار الذي حمى تلك الدعوة ومكنها من القيام إن لم يكن خطط لها وأوجدها، ولهذا فإننا نرى عبد البهاء ينسخ الجهاد صريحا ... الجهاد الذي يفزع الاستعمار وبذلك يمكن عقيدة الذلة التي أرسى قواعدها أبوه من قبل. يقول عبد البهاء في ذلك: (ويفتح ذلك المظهر الكلي بالقوى الريحانية لا بالحرب والجدل وبالصلح والسلام لا بالسيف والسنان ويؤسس هذه السلطنة الإلهية بالمحبة الصحيحة لا بالقوة الحربية وروح هذه التعاليم الإلهية بالمحبة والصلاح لا بالعنف والسلاح) (١).
وبذلك يتمكن المستبدون من إذلال الأمم وإفساد أديانها ونهب خيراتها وهم آمنون من القوة الحربية؛ إذ قد أصبحت البشرية في متناول يد كل طاغية وهذا ما أراده الاستعمار ودعا إليه البهاء.
(١) (ص: ٥٣) من كتابه ((النور الأبهي)).