للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن هذا الاضطراب يكشف لنا عن مدى ما يعانيه في نفسه من تمزقات وتناقضات ولعل ذلك ناتج عن حرصه الشديد على إقناع جميع الطوائف الإسلامية بصدق ادعائه فأراد أن يقنع أهل السنة بدعوى التجديد والمهدي وأراد أن يقنع أهل التشيع كذلك بأنه من أهل البيت والمهدي المنتظر وأراد أن يخدع أهل التصوف بتلك النبوءة الكاذبة التي زعم أنها من كلام ابن عربي ولابن عربي في نفوس الصوفية المكانة التي لا تلحق. والدعاوى الأخرى التي يدعي فيها أنه ظل محمد صلى الله عليه وسلم أو أنه آدم أو إبراهيم أو غير ذلك هذه ثمرة الفكر الصوفي المتمثل في فكر ابن عربي الذي يزعم أن الله يبعث على قدم كل نبي وليا من الأولياء تتمثل فيه صفاته (١). والقادياني رغم تعدد الدعاوى يركز على ظليته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أثناء خطاباته للصوفية فقد جاء في رسالته التي بعث بها إلى مشايخ الهند ومتصوفة أفغانستان ما يلي (إن الله وتر يحب الوتر ولأجل ذلك قد استمرت سنته أنه يرسل بعض الأولياء على قدم بعض الأنبياء فمن بعث على قدم نبي يسمى في الملائكة باسم ذلك النبي الأمين وينزل الله عليه سر روحه وحقيقة جوهره وصفاء سيرته وشأن شمائله .. إلخ، فهو يزعم أنه بعث على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والقادياني في هذه النزعة يتابع شيخه ابن عربي إذ قد تحدث عن هذه الموضوعات بشكل أوسع في كتابه (الفتوحات المكية).

ولا ندري كيف عرف القادياني هذه السنة الإلهية مع الأنبياء وهي أن الله يرسل أولياء على قدم الأنبياء؟ فهو شيء لم يرد في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه ولا غيره إلا ما زعمه ابن عربي الذي لا يقل عنه في هذا الموضوع ضلالا وبهتانا على الله ورسوله.

ولو سلمنا له هذه الدعوى فمن يا ترى الذي أرسل على قدم محمد صلى الله عليه وسلم أهو شيخه ابن عربي أم هو؟ وإذا كان حسبما يقول القادياني (أن الأنبياء لهم ساعات ينزلون فيها إلى الأرض فيريهم الله الفساد فيغار كل نبي على أمته فينزعج ويدعو الله أن ينزله على الأرض ليهيئ لهم من وعظ رشدا فيخلق له نائبا يشابهه في جوهره وينزل روحه بتنزيل انعكاس على وجود ذلك النائب ويرث النائب اسمه وعلمه فيعمل على وفق إرادته عملا - فهذا هو المراد من نزول إيليا في كتب الأولين ونزول عيسى عليه السلام وظهور محمد نبينا صلى الله عليه وسلم في المهدي خلقا وسيرة وما من محدث إلا له نصيب من تدليات الأنبياء قليلا كان أو كثيرا (٢).

إذا كان هذا الزعم صحيحا فلماذا لم يخلق أحد شبيها به صلى الله عليه وسلم من قديم الزمن إذ قد تعرضت الأمة لفتن كثيرة ومصائب عظيمة وقد كانت الأمة وحدها هي التي تغالب تلك الأحداث ولم نسمع أن أحدا ادعى قبل القادياني أنه أرسل شبيها برسول الله صلى الله عليه وسلم لينقذ الأمة لأن الرسول نزل إلى الأرض فانزعج وأرسله!

ثم ما هو الإصلاح الذي جاء به هذا المهدي المزعوم والمسيح الموهوم؟ لقد رأينا من قبل أن كل ادعاءاته وكتاباته وأقواله وأفكاره لا تخرج عن أمرين دعوى النبوة والرسالة ثم إلغاء الجهاد الإسلامي فهل هذا هو الإصلاح الذي أرسل القادياني لأدائه اللهم إنه نعم إذا اعتبرنا المرسل هم الإنجليز فقد قدم لهم خدمة عظيمة ودعا المسلمين لطاعتهم والذلة لهم وأما ما عدا هذا فقد فرق المسلمين وشغلهم ببعضهم وأساء إلى غير المسلمين الذين اعتنقوا دينه بأن أضلهم وقادهم إلى سخط الله وعقابه.


(١) ((الفتوحات المكية)) (٤/ ٧٧ - ٨٨).
(٢) ((رسالة إلى صلحاء العرب)) (ص: ٤٣٩ - ٤٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>