للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطريقته في ذلك تستند إلى مقدمة كبرى، ومقدمتين ثانويتين، ونتيجة:

١ - مقدمة كبرى: "ما لم يسبق الحوادث فهو حادث".

٢ - مقدمتان ثانويتان هما:

أ- الأعراض حوادث.

ب- الأجسام لم تسبق الحوادث.

وهذا الطريقة مبنية على ثلاثة براهين يلزم إثباتها:

١ - إثبات الأعراض، وإثبات حدوثها.

٢ - إثبات أن الأجسام لم تسبق الحوادث.

٣ - إثبات أن الأجسام حادثة لأنها لم تسبق الحوادث.١ - أما الأعراض: فقد حاول إثباتها بدليل الحركة والسكون، فقال: "والدليل على إثبات الأعراض تحرك الجسم بعد سكونه، وسكونه بعد حركته. ولابد أن يكون ذلك كذلك لنفسه أو لعلة. فلو كان متحركاً لنفسه ما جاز سكونه، وفي صحة سكونه بعد تحركه دليل على أنه متحرك لعلة؛ هي الحركة" (١)."والأعراض حوادث، والدليل على حدوثها: بطلان الحركة عند مجيء السكون؛ لأنها لو لم تبطل عند مجيء السكون لكانا موجودين في الجسم معاً، ولوجب لذلك أن يكون متحركاً ساكناً معاً، وذلك مما يعلم فساده ضرورة" (٢).

فالأعراض طارئة حادثة - كما ادعى الباقلاني -، والدليل على ذلك انقطاع السكون حين الحركة، وتوقف الحركة عند السكون.٢ - وأما الأجسام: فقد دلل على أنها لم تسبق الأعراض، بعدم انفكاكها عنها؛ إذ لا أجسام ولا جواهر بدون أعراض، فهي بالتالي لم توجد قبلها، ولم تسبقها (٣)."والدليل على أن الجسم لا يجوز أن يسبق الحوادث: أنا نعلم باضطرار أنه متى كان موجوداً، فلا يخلو أن يكون متماس الأبعاض مجتمعاً، أو متبايناً مفترقاً؛ لأنه ليس بين أن تكون أجزاؤه متماسة أو متباينة منزلة ثالثة: فوجب أن لا يصح أن يسبق الحوادث" (٤).٣ - فالأجسام حادثة: لأنها "لم تسبق الحوادث، ولم توجد قبلها، وما لم يسبق المحدث: محدث" (٥)؛ فالجسم "لا ينفك من الأولوان، ومعاني الألوان من الاجتماع والافتراق، وما لا ينفك من المحدثات، ولم تسبقه كان محدثا. ولأنه إذا لم يسبقه كان موجوداً معه في وقته أو بعده، وأي ذلك وجد وجب القضاء على حدوثه، وأنه معدوم قبل وجودها" (٦).فأي الأمرين - وجود الأجسام مع الحوادث، أو وجودهما بعدها - ثبت، وجب به القضاء على حدوث الأجسام (٧).

ويمكن تلخيص طريقته هكذا:

العالم كله محدث؛ لأنه مؤلف من جواهر وأعراض.

والأعراض حوادث، ودليل ذلك: بطلان الحركة عند مجيء السكون.

والأجسام حادثة؛ لأنها لم تسبق الحوادث، وما لم يسبق الحوادث: محدث مثلها.

فالعالم إذا حادث بأسره لأنه لا يخلو عن الحوادث. والباقلاني في هذه الطريقة مقتف لآثار المعتزلة حذو القذة بالقذة، إلا أنه أورد أمراً لم يورده المعتزلة، وهو قوله: "الأعراض لا تبقى زمانين" (٨).


(١) ((تمهيد الأوائل)) للباقلاني (ص: ٣٨). وانظر ((الإنصاف)) له (ص: ٢٨).
(٢) ((تمهيد الأوائل)) للباقلاني (ص: ٤١). وانظر ((الإنصاف)) له (ص: ٢٨).
(٣) ((تمهيد الأوائل)) للباقلاني (ص: ٤١).
(٤) ((تمهيد الأوائل)) للبقلاني (ص: ٤٢).
(٥) ((تمهيد الأوائل)) للباقلاني (ص: ٤١).
(٦) ((الإنصاف)) للباقلاني (ص: ٢٨).
(٧) انظر ((تمهيد الأوائل)) (ص: ٤٢ - ٤٣).
(٨) انظر ((تمهيد الأوائل)) (ص: ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>