للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا لغاية في نفسه، سيأتي بيانها - إن شاء الله تعالى - عند توجيه استدلال المبتدعة بهذا الدليل على مذهبهم في الصفات. وقد أتى بعد الباقلاني: عبد القاهر البغدادي، الذي قال بنحو قول سلفه، ونقل اتفاق الأشاعرة على هذا الدليل (١).ودلل على حدوث العالم بحدوث الأجسام؛ مدعياً دعوى سلفه الباقلاني: أنها - أي الأجسام - لا تخلو من الأعراض الحادثة فيها، ولا تسبقها (٢)، "فإذا صح أن الأجسام لم تسبق الأعراض الحادثة وجب حدوثها؛ لأن ما لم يسبق الحوادث كان محدثا، كما أن ما لم يسبق حادثا واحداً كان محدثاً" (٣).

واستندت طريقته إلى مقدمة كبرى، ومقدمتين ثانويتين، ونتيجة - كطريقة سلفه الباقلاني:

١ - مقدمة كبرى: "ما لم يسبق الحوادث فهو حادث".

٢ - مقدمتان ثانويتان هما:

أ- الأعراض حوادث.

ب- الأجسام لم تسبق الحوادث.٣ - نتيجة: الأجسام حادثة (٤).

وقد:

١ - أثبت الأعراض وأثبت حدوثها.

٢ - أثبت أن الأجسام لا تخلو من الحوادث، ولا تسبقها.٣ - توصل إلى نتيجة مفادها: أن الأجسام حادثة لأنها لم تسبق الحوادث، مقتفياً في ذلك آثار سلفه الباقلاني، مورداً نحو من أدلته التي أوردها (٥).وقد تبع الباقلاني في إيراده أمراً لم تورده المعتزلة، وهو قوله: "الأعراض لا تبقى زمانين" (٦).وكذا قال بنحو هذه الأقوال: الإسفراييني؛ فزعم أن الأجسام حادثة؛ لأنها لا تخلو من الحوادث، "وما لا يخلو من الحوادث لا يستحق أن يكون محدثا، وما لا يستحق أن يكون محدثا كان محدثاً مثلها" (٧)؛وقد ادعى الإسفراييني أن أهل السنة والجماعة - يقصد الأشاعرة - على هذا المعتقد (٨).واستدل على حدوث الأعراض، وحدوث الأجسام بأدلة قريبة من أدلة أسلافه (٩).

ثم أتى بعده أبو المعالي الجويني ...

ولا بأس من التوقف عنده قليلاً لبيان موقفه من دليل الأعراض؛ لما لأقواله من وزن واعتبار عند أتباع الطائفة الأشعرية، إذ يعد الجويني من أكابر أئمة الأشاعرة المتأخرين، وأقواله مسلمة لديهم لا تقبل تمحيصاً، ولا مراجعة.

فالجويني سلك مسلك المعتزلة في دليل الأعراض، وعليه بنى أصل دينه. فقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن طريقة أبي المعالي الجويني: "مأخوذة في الأصل عن المعتزلة نفاة الصفات" (١٠)، وعليها بنوا أصل دينهم، "وجعلوا صحة دين الإسلام موقوفا عليها، وذلك أنه موقوف على الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، والإيمان به موقوف على معرفة المرسل، وزعموا أن المرسل لا يعرف إلا بها" (١١).

وقد قسم الجويني الموجود إلى قديم وحادث."فالقديم: هو الموجود الذي لا أول لوجوده، والحادث: هو الموجود الذي له أول" (١٢).

والموجودات الحادثة تنقسم بالضرورة إلى قسمين: ما لا يفتقر إلى محل يحله، وهو الجوهر. وما يفتقر إلى محل يحله، وهو العرض.

ثم ذكر حد الجوهر، وحقيقة العرض:

فعرف الجوهر بأنه:

- المتحيز،

- أو كل ذي حجم متحيز؛ أي له حظ من المساحة،


(١) انظر ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص: ٣٢٩).
(٢) انظر ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: ٥٩) .. و ((الفرق بين الفرق)) (ص: ٣٢٩).
(٣) ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: ٥٩ - ٦٠).
(٤) انظر ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: ٣٣ - ٦٠).
(٥) انظر ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: ٣٣ - ٦٠).
(٦) انظر ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: ٥٠ - ٥٢).
(٧) ((التبصير في الدين)) للإسفراييني (ص: ١٥٤).
(٨) انظر: ((التبصير في الدين)) للإسفراييني (ص: ١٥٣).
(٩) انظر: ((التبصير في الدين)) للإسفراييني (ص: ١٥٣ - ١٥٤).
(١٠) كتاب ((الصفدية)) لابن تيمية (١/ ٢٧٤).
(١١) كتاب ((الصفدية)) لابن تيمية (١/ ٢٧٤).
(١٢) ((لمع الأدلة)) للجويني (ص: ٨٧). و ((الشامل في أصول الدين)) له (ص: ٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>