للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاقتصر بعضهم على أن ضد التصديق هو الإنكار والتكذيب، وضد المعرفة النكارة والجهالة، وإليه أشار الإمام الغزالي حيث فسر التصديق بالتسليم فإنه لا يكون من الإنكار والاستكبار، بخلاف العلم والمعرفة، وفصل بعضهم زيادة تفصيل فقال: التصديق عبارة عن ربط القلب على ما علم من إخبار المخبر، وهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق، ولهذا يؤمر به ويثاب عليه، بل يجعل رأس العبادات بخلاف المعرفة فإنها ربما تحصل بلا كسب، كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنه جدار أو حجر" (١).فإذا الأشاعرة يدعون أن الإيمان الشرعي هو بعينه الإيمان اللغوي، ومن ضمن أدلتهم على أن الإيمان الشرعي هو الإيمان اللغوي وهو التصديق، أن الإيمان مبقى على أصله اللغوي لم ينقل إلى معنى شرعي آخر. وبيانه فيما قاله الباقلاني، حيث قال: "فإن قال قائل: خبرونا ما الإيمان عندكم؟ قلنا: الإيمان هو التصديق بالله تعالى، وهو العلم، والتصديق يوجد بالقلب، فإن قال: وما الدليل على ما قلتم؟ قيل له: إجماع أهل اللغة قاطبة على أن الإيمان في اللغة قبل نزول القرآن، وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم هو التصديق، لا يعرفون في لغتهم إيماناً غير ذلك ويدل على ذلك قوله تعالى: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [يوسف: ١٧] أي ما أنت بمصدق لنا، ومنه قولهم: فلان يؤمن بالشفاعة، وفلان لا يؤمن بعذاب القبر، أي لا يصدق بذلك. فوجب أن يكون الإيمان في الشريعة هو الإيمان المعروف في اللغة، لأن الله عز وجل ما غير اللسان العربي ولا قلبه، ولو فعل لتواترت الأخبار بفعله، وتوفرت دواعي الأمة على نقله ولغلب إظهاره وإشهاره على طيه وكتمانه، وفي علمنا بأنه لم يفعل ذلك، بل أقر أسماء الأشياء، والتخاطب بأسره على ما كان فيها، دليل على أن الإيمان في الشرع هو الإيمان اللغوي. ومما يدل على ذلك ويبينه قول الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: ٤]، وقوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [الزخرف: ٣] فخبر أنه أنزل القرآن بلغة القوم، وسمى الأشياء بمسمياتهم، فلا وجه للعدول بهذه الآيات عن ظواهرها بغير حجة، وسيما مع قولهم بالعموم وحصول التوقيت، على أن الخطاب نزل بلغتهم، فدل ما قلناه على أن الإيمان هو ما وصفناه، دون ما سواه من سائر الطاعات من النوافل والمفروضات" (٢).

ومما تقدم يتلخص لنا ما يأتي:

١ - أن الإيمان الشرعي: هو الإيمان المعروف في اللغة وهو التصديق المخصوص.

٢ - أن التصديق محله القلب فقط، بدليل الآيات التي تنسبه إليه دون غيره، وقد تقدم ذكرها – وذلك دليل على أن الإقرار والعمل لا دخل لهما في التصديق.

٣ - أن العمل خارج عن الإيمان ومغاير له، بدليل عطف العمل على الإيمان والعطف دليل على المغايرة.

٤ - أن القرآن الكريم ولغة العرب، والإجماع، تدل على بقاء الإيمان على أصله اللغوي.

٥ - أن الإقرار والعمل شرط في الإيمان، يلزم الإتيان بهما، ومن فرط فيهما فهو معرض للعقاب.

فهذه النقاط الخمس هي ملخص مذهب جمهور الأشاعرة في حقيقة الإيمان.

المصدر:الإيمان بين السلف والمتكلمين لأحمد الغامدي - ص ١٥١

الإيمان عندهم مجرد المعرفة

قال أبو محمد: الأشعرية قالوا: إن شتم من أظهر الإسلام لله تعالى ولرسوله بأفحش ما يكون من الشتم وإعلان التكذيب بها باللسان بلا تقية ولا حكاية والإقرار بأنه يدين بذلك ليس شيء من ذلك كفرا.


(١) التفتازاني، سعد الدين، ((شرح المقاصد))، (٢/ ٢٥١)، ط مطبعة الحاج محرم أفندي، بدون تاريخ.
(٢) أبو بكر، محمد بن الطيب، ((التمهيد))، (ص: ٣٤٦، ٣٤٧)، المكتبة الشرقية، بيروت، سنة ١٩٥٧م.

<<  <  ج: ص:  >  >>