والمثال الثاني: لما نقل شيخ الإسلام عن الباقلاني في كتابه (التمهيد) نصا يثبت فيه الاستواء والعلو ويمنع من تأويله، قال الكوثري وبعض الباحثين – المائلين إلى المذهب الأشعري – وهم بصدد تحقيق (التمهيد) عن نسخة خطية ناقصة – قالوا: إن ابن تيمية وابن القيم – الذي نقل النص أيضا في اجتماع الجيوش – قد كذبا وهما على الباقلاني. ولما حقق (التمهيد) مرة أخرى – على يد نصراني – تبين صدق شيخي الإسلام، وخطأ الكوثري وأصحابه.
والثاني: أن هذه النقول نص صريح في مخالفتها لأقوال متأخري الأشعرية، وليست مما يقبل التأويل أو اختلاف المفاهيم حولها، فمثلا حين يؤول المتأخرون الاستواء بالاستيلاء ويمنعون من إثباته وإثبات الاستواء، ودلالته على العلو، تورد عليهم أقوال الأشعري وغيره التي نصوا فيها على إثبات الاستواء، ودلالته على العلو، وقولهم: إن تأويله بالاستيلاء هو قول خصومهم المعتزلة، وليس للمتأخرين – المنتسبين إلى الأشعري – هنا إلا الاعتراف والفرار إلى التفويض وأن هذا هو حقيقة مذهب الأشعري. ولكن ماذا يصنعون بقوله: إن تأويل الاستواء بالاستيلاء هو قول المعتزلة؟ وبنصوصه الأخرى في إثبات علو الله على خلقه؟.
ولأهمية هذا في إقناع الخصوم – وأتباعهم – ركز عليه شيخ الإسلام وأضاف إليه جانبا آخر وهو ردود بعض الأشاعرة على بعض سواء كانوا متقدمين أو متأخرين، لأن هذا أيضا يفيد في بيان ضعف المذهب وضعف الأدلة التي أعتمدوا عليها، فهذان جانبان رئيسان ركز عليهما شيخ الإسلام: