للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمام محيى السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي "٥١٦":عد المؤلفان (١) الإمام البغوي من الأشاعرة، بلا تمحيص ولا تحقيق، ولا نقل من كتبه ومؤلفاته كعادتهم. وهي دعوى يكذبها ما سطره الإمام البغوي في كتبه، كتفسيره المسمى بـ"معالم التنزيل"، وكتابه الماتع العظيم (شرح السنة) والذي قرر فيه معتقد أهل السنة والجماعة، حيث عقد فيه فصلاً للرد على الجهمية الذين تأولون الصفات. وقد ذكره ابن المبرد في ضمن من كان مجانباً للأشاعرة فقال: "ومنهم الإمام محيى السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن الفراء البغوي، كان مجانباً لهم" (٢).

وأنا أنقل بعض كلامه في المعتقد لتتبين لنا حقيقة دعوى أشعريته: قال في (شرح السنة): "باب بيان أن الأعمال من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، والرد على المرجئة ... " – ثم ساق الآيات والأحاديث الدالة على ذلك ثم قال: "اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان ... " – ثم قال: "وقالوا: إن الإيمان قول وعمل وعقيدة، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية على ما نطق به القرآن في الزيادة، وجاء الحديث بالنقصان في وصف النساء .... " – إلى أن قال: "واتفقوا على تفاضل أهل الإيمان في الإيمان وتباينهم في درجاته" (٣) اهـ.

وهذا يخالف كما هو معلوم معتقد الأشاعرة من أن الإيمان هو التصديق، وأنه لا يزيد ولا ينقص. وساق أحاديث الأصابع لله عز وجل ثم قال: "والإصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عز وجل، وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل في صفات الله تعالى، كالنفس، والوجه، واليدين، والعين، والرجل، والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك والفرح ... " - ثم ساق الأدلة عليها ثم قال: "فهذه ونظائرها صفات لله تعالى، ورد بها السمع، ويجب الإيمان بها، وإمرارها على ظاهرها، معرضاً عن التأويل، مجتنباً عن التشبيه، معتقداً أن الباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق، قال الله سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: ١١]، وعلى هذا مضى سلف الأمة، وعلماء السنة، تلقوها جميعاً بالقبول والتسليم، وتجنبوا فيها التمثيل والتأويل، ووكلوا العلم فيها إلى الله عز وجل ... " – ثم ساق آثار السلف (٤) اهـ. وفي باب الرد على الجهمية: ذكر حديث "إنه لفوق سماواته على عرشه، وإنه عليه لهكذا – وأشار وهب بيده – مثل القبة عليه"، وأشار أبو الأزهر أيضاً" "إنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب"، ثم نقل كلام الخطابي وتأويله للحديث الصفة، ثم قال معلقاً: "والواجب فيه وفي أمثاله: الإيمان بما جاء في الحديث، والتسليم، وترك التصرف فيه بالعقل، والله الموفق" (٥) اهـ.

فتأمل إثباته لصفات الله تعالى، وأن الواجب إجراؤها على ظاهرها، مع نفي التشبيه عنها، ومنع التأويل فيها، وتقريره أن إثباتها لله لا يستلزم التشبيه، كإثبات الذات.

وتأمل منعه من الخوض فيها بالعقول تأويلاً، وتحريفاً، بعد أن نقل كلام الخطابي.


(١) يقصد بهما المؤلفان لكتاب ((أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)).
(٢) ((جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر)) (ص: ٢٢٧).
(٣) ((شرح السنة)) (١/ ٣٣).
(٤) ((شرح السنة)) (١/ ١٦٣ - ١٧١).
(٥) ((شرح السنة)) (١/ ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>