للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله: "ووكلوا العلم فيها إلى الله عز وجل"، فالمراد به علم حقيقة ما هي عليه، وكنهها، وكيفيتها، وإلا لم يكن لقوله "وإمرارها على ظاهرها" معنى، فإن الإمرار على الظاهر، هو حملها على ما دل عليه لفظها من المعنى المعروف لغة مع نفي التشبيه، وليس المراد بالظاهر: تنزيلها وكونها في القرآن، إذ لا ينكر هذا أحد ولا يمتري فيه.

ويقال أيضاً: لو كان كذلك لم يقل "إمرارها على ظاهرها" إذ يكون ظاهرها مجهولاً غير معلوم، فكيف يأمر بإمراره. وقال في تفسيره "معالم التنزيل" في قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء [البقرة: ٢٩]: " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء، قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء" (١) اهـ. وقال في قوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ [البقرة: ٢١٠]، "والأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها، ويكل علمها إلى الله تعالى، ويعتقد أن الله عز اسمه منزه عن سمات الحدث، على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة" (٢) اهـ.

وقال في قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: ٥٤]: "قال الكلبي ومقاتل: استقر. وقال أبو عبيدة: صعد وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، وأما أهل السنة فيقولون: الاستواء على العرش صفة لله تعالى، بلا كيف، يجب على الرجل الإيمان به، ويكل العلم فيه إلى الله عز وجل. وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: ٥]، كيف استوى؟ فأطرق رأسه ملياً، وعلاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أظنك إلا ضالاً. ثم أمر به فأخرج. وروي عن سفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، وعبدالله بن المبارك، وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهة: "أمروها كما جاءت بلا كيف" (٣) اهـ. وقال في قوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام: ١٥٨]: " أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ بلا كيف، لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة" (٤) اهـ. وقال في قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: ٦٤]: "ويد الله صفة من صفاته كالسمع، والبصر، والوجه، وقال جل ذكره: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: ٧٥]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلتا يديه يمين)) (٥)، والله أعلم بصفاته، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم. وقال أئمة السلف من أهل السنة في هذه الصفات: "أمروها كما جاءت بلا كيف" (٦) اهـ.

هذا بعض كلامه في تقرير المعتقد، فوازن بينه وبين معتقد الأشاعرة، لترى البون الشاسع بينهما.

الإمام الحافظ المفسر عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير "٧٧٤هـ":ادعى المؤلفان (٧) أن الحافظ ابن كثير كان أشعرياً، واستدلا على ذلك بما ورد في (الدرر الكامنة) في ترجمته إبراهيم بن محمد بن قيم الجوزية ما نصه: "ومن نوادره أنه وقع بينه وبين عماد الدين ابن كثير منازعة في تدريس الناس، فقال له ابن كثير: أنت تكرهني لأنني أشعري، فقال له: لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك أنك أشعري وشيخك ابن تيمية" (٨) اهـ.

وهذه الحكاية لم يذكر ابن حجر من حدثه بها، هذا أولاً.


(١) ((معالم التنزيل)) (١/ ٥٩).
(٢) ((معالم التنزيل)) (١/ ١٧٤).
(٣) ((معالم التنزيل)) (٢/ ١٦٤ - ١٦٥).
(٤) ((معالم التنزيل)) (٢/ ١٤٤).
(٥) رواه مسلم (١٨٢٧) من حديث عبد الله بن عمرو.
(٦) ((معالم التنزيل)) (٢/ ٥٠).
(٧) يقصد بهما المؤلفان لكتاب ((أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)).
(٨) ((الدرر الكامنة)) (١/ ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>