للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثانياً: أنه على فرض صحتها فإن ظاهرها يبطل هذه الدعوى، لأن إبراهيم بن قيم الجوزية لم يصدقه في ما ذكر من الدعوى، لكون شيخه هو ابن تيمية، وهو المعروف بالرد على الأشاعرة وإبطال معتقداتهم التي خالفوا فيها الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، وهذا أمر ظاهر، فكيف يكون تلميذ من طال كلامه في الانتصار لمذهب السلف، وأوذي في ذلك حتى اجتمع عليه الأشاعرة وسجنوه مرات عدة، كيف يكون تلميذ هذا أشعرياً، هذا تأباه العادة.

ولذا فإنك تجد ابن كثير لا يذكر شيئاً من كلام ووقائع ابن تيمية في البداية والنهاية إلا ويقول: "قال شيخنا العلامة"، و"كان شيخنا العلامة"، وربما قال: "جهبذ الوقت شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية)، وقال مرة: "سمعت شيخنا تقي الدين ابن تيمية وشيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول كل منهما للآخر: هذا الرجل قرأ مسند الإمام أحمد، وهما يسمعان، فلم يضبط عليه لحنة متفقاً عليها، وناهيك بهذين ثناء على هذا وهما هما". ونحو ذلك مما يدل على تعظيمه له. ومن المستبعد جداً، أن يصفه بهذا الوصف، وهو مخالف له في أعظم الأمور، كأمور المعتقد.

وقد ساق ابن كثير في تاريخه كثيراً من وقائع شيخ الإسلام ابن تيمية مع مخالفيه من الأشاعرة، ومن أشهر ذلك: المناظرات التي جرت بينه وبينهم في عقيدته المسماة بـ"الواسطية".

وانتصر له في "تاريخه" فقال: "أول المجالس الثلاثة لشيخ الإسلام ابن تيمية: وفي يوم الاثنين ثامن رجب حضر القضاة والعلماء وفيهم الشيخ تقي الدين بن تيمية عند نائب السلطنة بالقصر، وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين "الواسطية"، وحصل بحث في أماكن منها، وأخرت مواضع على المجلس الثاني.

فاجتمعوا يوم الجمعة بعد الصلاة ثاني عشر الشهر المذكور وحضر الشيخ صفي الدين الهندي، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاما كثيراً، ولكن ساقيته لاطمت بحراً، ... ثم انفصل الحال على قبول العقيدة، وعاد الشيخ إلى منزله معظماً مكرماً ...

وكان الحامل على هذه الاجتماعات كتاب ورد من السلطان في ذلك، كان الباعث على إرساله قاضي المالكية ابن مخلوف، والشيخ نصر المنبجي شيخ الجاشنكير وغيرهما من أعدائه ... وكان للشيخ تقي الدين من الفقهاء جماعة يحسدونه لتقدمه عند الدولة، وانفراده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطاعة الناس له، ومحبتهم له، وكثرة أتباعه، وقيامه في الحق، وعلمه وعمله ... ثم عقد المجلس الثالث في يوم سابع شعبان بالقصر، واجتمع جماعة على الرضى بالعقيدة المذكورة ... ثم جاء كتاب السلطان في السادس والعشرين من شعبان ... وفي الكتاب: إنا كنا سمعنا بعقد مجلس للشيخ تقي الدين بن تيمية، وقد بلغنا ما عقد له من المجالس، وأنه على مذهب السلف وإنما أردنا بذلك براءة ساحته مما نسب إليه" (١) اهـ.

وقد أطال ابن كثير في ذكر هذه الأحداث منتصراً لشيخه ابن تيمية.

ومعلوم ما في "العقيدة الواسطية" مما يخالف مذهب الأشاعرة في الصفات، والقدر، والقرآن والإيمان، والنبوات، والكرامات، وغير ذلك من أبواب الاعتقاد.

أما التحقيق العلمي في معتقدات الأئمة، فليس بالقصص والحكايات، كما سبق أن ذكرنا، وإنما بالنصوص البينة التي سطروها في كتبهم.


(١) ((البداية والنهاية)) (١٤/ ٣٤ - ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>