للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس هناك فرق بين منهج ابن كلاب الذي لا يقر بصفات خبرية، وبين منهج متأخرة الأشاعرة، إلا ما أضافوه من تطبيقات، وما أثاروه من شبهات، وعلى هذا تكون الموازنة بين منهج الأشاعرة ومنهج الماتريدية مع بيان مأخذهما من مذهب الكلابية الذي يعد منبع أفكارهما. لقد سلك الأشاعرة منهجاً يقضي بإثبات بعض الصفات الإلهية وتأويل بعض، فأثبتوا سبع صفات فقط وهي: القدرة، والإرادة والعلم، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام. وسموها "صفات المعاني" ثم اشتقوا منها سبعاً أخرى سموها "صفات معنوية" أي منسوبة إلى السبع السابقة، وهي: كونه تعالى قادراً، مريداً، عالماً، حياً، سميعاً بصيراً، متكلماً. كما ذكروا ست صفات أخرى سموها "صفات سلبية" لأن إثباتها ينفي أضدادها وهي: الوجود، القدم، البقاء، مخالفة الحوادث، القيام بالنفس، الوحدانية (١). فبلغت الصفات عندهم عشرين صفة، إلا أنهم يرجعونها إلى السبع المسمى صفات المعاني، وزعموا أنهم أثبتوا هذه الصفات لأنها ثبتت بالعقل، قال الأنصاري: "وأما برهان اتصافه تعالى بالقدرة، والإرادة، والعلم، والحياة، أنه لو انتفى شيء من صفات المعاني لما وجد شيء من الحوادث، لاستحالة وجود المتوقف بدون المتوقف عليه؛ إذ وجود العالم متوقف على اتصاف الفاعل بهذه الصفات، فلو انتفت القدرة لزم العجز، والعاجز لا يوجد شيئاً من الحوادث، ولو انتفت الإرادة لانتفى التخصيص، فلا يوجد شيء من الحوادث، ولو انتفى العلم لانتفت الحوادث لاستحالة القصد للشيء المجهول. ولو انتفت الحياة لانتفت هذه الصفات فلا يوجد شيء من الحوادث ... وأما برهان وجوب السمع له تعالى والبصر والكلام فالكتاب والسنة والإجماع، والعقل؛ لأنه لو لم يتصف بها لزم أن يتصف بأضدادها التي هي الصمم، والعمى، والبكم، وهي نقائص، والنقص عليه تعالى محال" (٢).وبناء على هذا المسلك فقد أول الأشاعرة جميع الصفات الخبرية، وهي التي لا يصح أن نصف الله بها لولا ثبوتها في النقل، وليست مثل صفة الحياة – مثلاً – التي يعلم كل عاقل بفطرته أن الباري متصف بها، ووضع لها الرازي قانوناً للتأويل ما عدا السبع فقال: "القانون الكلي في أمثال هذه الصفات: أن كل صفة تثبت للعبد فيما يخص بالأجسام، فإذا وصف الله بذلك فهو محمول على نهايات الأعراض لا على بدايات الأعراض، مثاله: أن الحياء حالة تحصل للإنسان ولها مبدأ ونهاية، أما البداية فهو (هكذا) التغير الجسماني الذي يلحق الإنسان من خوف أو ينسب إلى القبيح، وأما النهاية فهي أن يترك الإنسان ذلك الفعل، فإذا ورد الحياء في حق الله تعالى فليس المراد منه ذلك الجواب الذي هو مبدأ الحياء وتقدمته، بل المراد هو ترك الفعل الذي هو منتهاه وغايته، وكذلك الغضب له مبدأ وهو غليان دم القلب وشهوة الانتقام، وله غاية وهي إيصال العقاب إلى المغضوب عليه، فإذا وصفنا الله تعالى بالغضب فليس المراد هو ذلك المبدأ أعني غليان دم القلب وشهوة الانتقام، بل المراد تلك النهاية وهي إنزال العقاب، فهذا هو القانون" (٣).


(١) انظر الأنصاري: ((شرح أم البراهين)) (ص: ١٠ - ٢٢) / كانو/ ط: أحمد أبو السعود.
(٢) ((أم البراهين)) (ص: ٤٧ – ٤٩).
(٣) ((أساس التقديس)) (ص: ١٤٧ – ١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>