للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالاسم عندهم إن دل على ما أثبتوه من الصفات، أثبتوه على حقيقته وإن خالف صرفوه عن حقيقته بالتأويل. وذلك لاعتقادهم أن ما دل عليه الاسم من المعاني والحقائق يعارض الدليل العقلي. قال ابن الهمام: "ثم إنه (تعالى) سميع بسمع وبصير بصفة تسمى بصراً، وكذا عليم بعلم، وقدير بقدرة، ومريد بإرادة لأنه تعالى أطلق على نفسه هذه الأسماء بخطابا لمن هو من أهل اللغة، والمفهوم في اللغة من عليم ذات له علم. بل يستحيل عندهم عليم بلا علم كاستحالته بلا معلوم، فلا يجوز صرفه عنه إلى لقاطع عقلي يوجب نفيه ... " (١).وقال البياضي: "إن العالم والقادر وسائر الأسماء المشتقة ليست أسماء للذات من غير اعتبار معنى، بل معناها إثبات ما هو لازم مأخذ الاشتقاق، ولا معنى له سوى إدراك المعاني، والتمكن من الفعل والترك ونحو ذلك، فلزم بالضرورة ثبوت هذه المعاني للواجب تعالى، كيف والخلو عنها نقض وذهاب إلى أنه لا يعلم ولا يقدر؟ " (٢).وقال أيضاً: إن مفهوم الاسم قد يكون نفس الذات والحقيقة وهو اسم الجلالة فقط، وقد يكون مأخوذاً باعتبار الصفات والأفعال والسلوب والإضافات. ولا خفاء في تكثر أسمائه تعالى بهذا الاعتبار ... " (٣).

قولهم: بأن اسم (الله) يدل على الذات من غير اعتبار للمعنى. معناه أنه لا يدل على صفة، وهو خطأ ظاهر. وذلك أن جميع أسماء الله تعالى حسنى، كما قال تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى [الأعراف: ١٨٠]، فهي حسنى لدلالتها على صفات الكمال والجلال والعظمة لله تعالى، ولو كان اسم (الله) لا معنى له لم يكن فيه مدح ولا ثناء لله تعالى، فكيف وهو أعظم أسماء الله تعالى؟! وإنما كان أعظمها لدلالته على جميع صفات الكمال والجلال. كما قال عبدالعزيز الدميري:

ويجمع اسم الله كل معنى ... من الصفات والأسامي الحسنى

إذ الإله من له الكمال ... والكبريا والعز والجلال (٤)

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "اسم (الله) دال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث: فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له، مع نفي أضدادها عنه.

وصفات الإلهية هي صفات الكمال، المنزهة عن التشبيه والمثال وعن العيوب والنقائض. ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم كقوله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى [الأعراف: ١٨٠]، ويقال الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام ... من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء (الرحمن) ... ونحو ذلك. فعلم أن اسم (الله) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دال عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبين لصفات الإلوهية، التي اشتق منها اسم (الله). واسم (الله) دال على كونه مألوهاً معبوداً، تألهه الخلائق محبة وتعظيماً وخضوعاً، وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب" (٥).


(١) ((المسايرة)) (ص ٦٨، ٦٩).
(٢) ((إشارات المرام)) (ص ١١٩).
(٣) ((إشارات المرام)) (ص ١١٤)، وانظر: ((التوحيد)) (ص ٦٥، ٦٦، ٦٩)، ((تبصرة الأدلة)) (ل ١٢٨)، ((نظم الفوائد)) (ص ٢١).
(٤) ((نور الغسق في بيان هل اسم الجلالة مرتجل أم مشتق))، لمحمد الغيث بن ماء العينين، المطبوع بذيل آخر الجزء الثاني من كتاب ((النفحة الأحمدية في بيان الأوقات المحمدية)) لأبي العباس أحمد بن الشمس: (٢/ ١٤٧) ط١ سنة ١٣٣٠هـ، مصر.
(٥) ((مدارج السالكين)) (١/ ٣٢، ٣٣)، وانظر: ((الروض الأنف))، للسهيلي، تحقيق عبدالرحمن الوكيل: (١/ ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>