للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما بالنسبة لبقية الأسماء، فإن الماتريدية تقر بأن لها معاني مأخوذة باعتبار الصفات، أي أنها تدل على الصفات كما تدل على الذات. إلا أنهم في الأسماء التي مدلولاتها لا تتفق مع ما اعتقدوه في باب الصفات، لا يثبتون ما دلت عليه من المعاني والحقائق على الوجه الصحيح. بل يأولونها بما يتفق مع اعتقادهم في الصفات. وأقرب مثال على هذا اسم الله (الأعلى)، (والظاهر).قال الماتريدي في تفسيره لاسم (الأعلى): "الأعلى ... هو أعلى من أن يمسه حاجة أو يلحقه آفة" (١).وقال أبو البركات النسفي: "الأعلى: بمعنى العلو الذي هو القهر والاقتدار، لا بمعنى العلو في المكان" (٢).وقال الماتريدي في تفسيره لاسم (الظاهر): "الظاهر هو الغالب القاهر الذي لا يغلبه شيء" (٣).وقال أبو البركات النسفي: "الظاهر: بالأدلة الدالة عليه ... ، وقيل العالي على كل شيء الغالب له. من ظهر عليه إذا علاه وغلبه" (٤).

يظهر مما تقدم كيف أن اعتقاد الماتريدية نفي علو الله بذاته فوق خلقه، أثر في فهمهم لهذين الإسمين حتى قصروا معناهما على علو القدر والقهر. وجواب أهل السنة عما نفته الماتريدية من المعاني والحقائق في هذه الأسماء وغيرها، هو جواب الماتريدية لمنازعهم من المعتزلة فيما أثبتوه من المعاني والحقائق، نحو السميع والبصير والعليم ... إذ أن القول في دلالات الأسماء جميعها واحد، ولا دليل على التفريق، فهي تجري على قاعدة واحدة، وهي: "أن الاسم من أسمائه (تعالى) له دلالات. دلالة على الذات والصفة بالمطابقة، ودلالة على أحدهما بالتضمن، ودلالة على الصفة الأخرى باللزوم" (٥).

فـ" الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدل على الذات والصفة التي اشتق بها بالمطابقة، فإنه يدل عليه دلالتين أخريين بالتضمين واللزوم. فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة، ويدل على الصفة الأخرى باللزوم.

فإن اسم (السميع) يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة، وعلى الذات وحدها، وعلى السمع وحده بالتضمن. ويدل على اسم (الحي) وصفة الحياة بالالتزام، وكذلك سائر أسمائه وصفاته ...

فإن من لوازم اسم (العلي) العلو المطلق بكل اعتبار. فله العلو المطلق من جميع الوجوه: علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات، فمن جحد علو الذات فقد جحد لوازم اسمه (العلي).وكذلك اسم (الظاهر) من لوازمه: أن لا يكون فوقه شيء كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((وأنت الظاهر فليس فوقك شيء)) (٦). بل هو سبحانه فوق كل شيء. فمن جحد فوقيته سبحانه فقد جحد لوازم اسمه (الظاهر) ... وكذلك سائر أسمائه الحسنى" (٧).

وتعطيل حقائق ومعاني الأسماء كلها أو بعضها قدح في صحة إطلاقها، إذ أن شرط صحة إطلاق الأسماء حصول معانيها وحقائقها، ثم إنه لا مانع ولا محذور من إثبات هذه المعاني والحقائق، وذلك أن الاسم والصفة له ثلاث اعتبارات، اعتبار من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالرب تبارك وتعالى أو العبد.

الاعتبار الثاني: اعتباره مضافاً إلى الرب مختصاً به.


(١) ((التأويلات)) (ل ٦٣٦) الظاهرية.
(٢) ((تفسير النسفي)) (٤/ ٣٤٩).
(٣) ((التأويلات)) (ل ٥٤٧) الظاهرية.
(٤) ((تفسير النسفي)) (٤/ ٢٢٤، ٢٢٣).
(٥) ((بدائع الفوائد)) (١/ ١٦٢).
(٦) رواه مسلم (٢٧١٣)
(٧) ((مدارج السالكين)) (١/ ٣٠، ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>