للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالماتريدية لما عطلوا صفة "علو" الله تعالى وحرفوا نصوصها بأنواع من التأويلات والمجازات، جعلوا اسمه "العليَّ" مجرداً عن صفته "العلوِ" المطلق على خلقه، ولذلك فسروا اسم الله تعالى "العلي" بما يلي:١ - "العلي عن كل موهوم يحتاج إلى عرش أو كرسي" (١).٢ - "العلي في ملكه وسلطانه، أو المتعالي عن الصفات التي لا تليق به" (٢).٣ - "المتعالي بذاته عن الأشباه والأنداد" (٣).٤ - بمعنى "المتكبر" (٤).

فأنت ترى أنهم جعلوا هذا الاسم الأحسنَ "العلي" من السلوب المحضة التي لا مدح ولا ثناء فيها.

مع أنه من أعظم الأسماء الحسنى الدالة على إثبات الصفات الكمالية لله تعالى وأنه يدل على صفة هي من أعظم صفات الله تعالى الذاتية الثبوتية ألا وهي صفة "العلو" المطلق على خلقه مع تضمنه تنزيه الله تعالى عن كل عيب ونقص.

المثالان: الثاني والثالث:

أن "الرحمن الرحيم" اسمان من أسماء الله الحسنى وكلاهما يدل دلالة حقيقية قطعية مطابقة على صفته تعالى: "الرحمة" الكاملة. لكن القوم لما عطلوا صفة الله العظيمة "الرحمة" وحرّفوها بتأويلاتهم جعلوا هذين الاسمين: "الرحمن الرحيم" مجردين عن صفته "الرحمة" حيث فسروا الرحمة بإيصال الخير ودفع الشر (٥).

فواعجباً لقوم يعبدون رباً يزعمون أنه لا "رحمة" له! فماذا يرجون منه؟.

المثال الرابع: أن "الودود" من أسماء الله الحسنى يدل على ذات الله تعالى وعلى صفته "الود" دلالة قطعية حقيقية مطابقية ومعنى "الودود" أنه محب للمؤمنين، فيكون "الفعول بمعنى الفاعل" فالله تعالى ذو المحبة لهم. وقيل: "محبوب" للمؤمنين فيكون الفعول بمعنى المفعول (٦).

والماتريدية عطلوا صفة "المحبة" الثابتة لله تعالى وحرفوا نصوصها إلى صفة "الإرادة" وغير ذلك من التأويلات.

المثال الخامس:

أن "الظاهر والباطن" من الأسماء الحسنى. ومعنى "الظاهر" العالي علي الخلق وفوق كل شيء فليس فوقه شيء (٧).ويؤيده حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((وأنت الظاهر فليس فوقك شيء)) (٨) الحديث.

فهذا الاسم يدل دلالة قطعية حقيقية مطابقة على ذات الله تعالى وإثبات صفة "العلو" المطلق لله تعالى. وهذا هو الراجح في معناه. فإن قيل: "معناه" الظاهر وجوده بالأدلة الواضحة" (٩).

قلت: لو سلم صحة هذين المعنيين - فهما لا ينافيان المعنى الأول، لأن علو الله على خلقه أجمعين متضمن لعلمه على كل شيء وظهور وجوده. بل وجود الله تعالى لا يحتاج إلى برهان.

ولله در القائل:

وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل (١٠)

ولأن ذكر بعض اللفظ لا ينفي أصل معناه وكذا ذكر لازم معنى اللفظ لا ينفي الملزوم.

قال شيخ الإسلام في الرد على من زعم أن تفسير "نور السموات" بهادي أهل السماوات والأرض تأويل:


(١) ((تأويلات أهل السنة)) للماتريدي تحقيق جاسم محمد الجبوري (١/ ٥٩٣).
(٢) ((مدارك التنزيل)) (١/ ١٧٠).
(٣) ((إرشاد العقل السليم)) (١/ ٢٤٨).
(٤) راجع ((شرح المواقف)) (٨/ ٢١٥)، و ((نشر الطوالع)) (ص ٣٢٠).
(٥) راجع ((التبيان للرستمي الفنجفيري)) (ص ٥٩).
(٦) انظر ((جامع البيان)) (١٢/ ١٠٥، ٣٠/ ١٣٨)، ((معالم التنزيل)) (٢/ ٣٩٩، ٤/ ٤٧١).
(٧) ((جامع البيان)) (٢٤/ ٢١٥ - ٢١٦)، ((معالم التنزيل)) (٤/ ٢٩٣)، ((فتح القدير)) للشوكاني (٥/ ١٦٥)، ((النونية)) (٦٤، ١٤٦)، ((توضيح المقاصد)) (١/ ٤٢٣ - ٤٢٥).
(٨) رواه مسلم (٢٧١٣).
(٩) ((معاني القرآن للقراء)) (٣/ ١٣٢)، وذكره البخاري بالتمريض كتاب ((التفسير باب تفسير سورة الحديد)) (٤/ ١٨٥١)، وانظر ((فتح الباري)) (٨/ ٦٢٧ - ٦٢٨).
(١٠) ((الصواعق المرسلة)) (٤/ ١٢٢١)، ((مدارج السالكين)) (١/ ٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>