للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أن ذلك مستلزم للإرادة، والمشيئة والإرادة مستلزمة لتصور المراد والشعور به، وهذه الطريقة المشهورة عند أكثر أهل الكلام.

الثالث: أنها صادرة عنه، وهو سببها التام، والعلم بأصل الأمر وسببه، يوجب العلم بالفرع المسبب، فعلمه بنفسه مستلزم العلم بكل ما يصدر منه. الرابع: أنه في نفسه لطيف يدرك الدقيق، خبير يدرك الخفي، وهذا هو مقتضى العلم بالأشياء، فيجب وجود المقتضى لوجود السبب التام، فهو في علمه بالأشياء مستغن بنفسه عنها، كما هو غني بنفسه في جميع صفاته ... " (١).

فالآية مع دلالتها على صحة طريقة الماتريدية، فهي أتم وأكمل وأوضح في الدلالة على وجوب اتصافه تعالى بالعلم من طريقتهم.

المصدر:الماتريدية دراسة وتقويماً تصنيف أحمد بن عوض بن داخل اللهيبي الحربي - ص٢٥١

صفة الحياة

اختلفت الماتريدية في طريقة الاستدلال على إثبات صفة الحياة، فذهب بعضهم إلى أن الحياة تثبت بدلالة المحدثات، إذ أن الفعل كما لا يتصور إلا من قادر عالم كذلك لا يتصور إلا من حي، وذهب بعضهم إلى أن الحياة تثبت بدلالة القدرة والعلم لا بدلالة الفعل، إذ يستحيل ثبوت القدرة والعلم بدون الحياة.

قال أبو المعين النسفي موضحاً هذا: "ثبوت الحياة ... عند بعض أصحابنا نصرهم الله بدلالة المحدثات عليها إذ إحكام الفعل كما لا يتصور إلا من قادر عالم لا يتصور إلا من حي، تحققه أن الحياة لذات ما لا يعرف في الشاهد إلا بوجود الأفعال الاختيارية، وعند وجودها يقع التيقن بثبوت الحياة بحيث لا مجال للريب في ذلك، ويعد الشاك فيه متجاهلاً، وكما يستدل بالفعل المحكم المتقن على كون الفاعل قادراً عالماً يستدل به على كونه حياً وتمكن في فكر العقول امتناع القول بوجود ذلك إلا من حي على ما ذكرنا. وعند بعض أصحابنا كانت الحياة من مدلولات العلم والقدرة لا من مدلولات الفعل بل الفعل يدل على علمه وقدرته ويستحيل ثبوتهما بدون الحياة، إذ الحياة شرط ثبوتهما، ودليل استحالة ثبوتهما بدون الحياة، أن الموت والجمادية يضادان العلم والقدرة، إذ العقول السليمة كما تأبي قبول قول من أخبر عن اجتماع الموت والحياة والسواد والبياض والحركة والسكون، تأبى قبول قول من يجوز ثبوت العلم والقدرة للميت، وتعرف امتناع اجتماعهما مع الموت، كما تعرف امتناع اجتماع الحياة والموت، ولا تفرق بينهما، فلو جاز ذا لجاز الأول ولو امتنع لامتنع هذا لانعدام ما يوجب التفرقة بين الأمرين في العقول الصحيحة السليمة، تحققه أن ذلك لو جاز لجاز أن يكون كل ديباج نفيس وكل صورة مونقة، وكل قصر عال في العالم كانت حاصلة عن فعل الجمادات والموتى، ولعل كل تصنيف دقيق في فن من العلوم كان في عمل الموتى والجمادات ... وتجويز هذا كله هذيان وخروج عن قضية العقول التحاق بالمتجاهلة" (٢).واستدلوا أيضاً على ثبوت صفة الحياة بدليل ثبوت الكمال والتنزيه عن النقائص، فلو لم يتصف الخالق بالحياة، لوجب أن يتصف بالموت، إذ أن الموت ولحياة من الصفات المتعاقبة، والموت صفة نقص يجب تنزيه الخالق عنها، كما أن الحياة صفة كمال يجب اتصافه بها، إذ من شرط القدم الكمال والتبري عن النقائص، فثبت وجوب اتصافه بالحياة (٣).


(١) ((الفتاوى)) (٢/ ٢١١)، وانظر: ((الفتاوى)) (١٦/ ٢٩٨، ٣٥٤، ٣٥٥)، ((شرح الأصفهانية)) ت السعوي (ص ٣٤٤، ٣٤٥)، ط مخلوف: (ص ٢٤، ٣٥)، ((الدرء)) (١٠/ ١١٤)، ((شرح الطحاوية)) (ص ٩٨ – ١٠٠)، ((لوامع الأنوار)) (١/ ١٤٨، ١٤٩).
(٢) ((تبصرة الأدلة)) (ل ١١٤، ١١٥)، وانظر: ((التمهيد)) (ص ٢١)، ((النور اللامع)) (ل ٣٧، ٣٨، ٤٠)، ((المسايرة)) (ص ٦٢)، ((إشارات المرام)) (ص ١١٨).
(٣) انظر: ((تبصرة الأدلة)) (ل ١١٣)، ((التمهيد)) (ص ٢١)، ((النور اللامع)) (ل ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>