للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استدلت الماتريدة على اتصاف الله تعالى بصفتي السمع والبصر بدليل الكمال والتنزيه عن النقائص، وذلك أن السمع والبصر صفات كمال والصمم والعمى صفتا نقص، ومن شرط القدم الكمال والتبري عن النقائص، فلزم اتصافه بالسمع والبصر وتنزيهه عن الصمم والعمى. قال أبو المعين النسفي: "إذا ثبت أن صانع العالم قديم ومن شرط القدم التبري عن النقائص، ثبت أنه ... سميع بصير ... إذ لو لم يكن كذلك لكان موصوفاً بـ ... العمى والصمم، إذ هذه الصفات متعاقبة لتلك الصفات، فلو لم يكن هذه الصفات ثابتة لله تعالى لثبت ما يعاقبها وهي صفات نقص ومن شرط القدم الكمال، فدل أنه موصوف بما بينا لضرورة انتفاء أضدادها التي هي سمات المحدث لكونها نقائص" (١).وقال ابن الهمام: "إنه تعالى سميع بصير ... بمرأى منه خفايا الهواجس والأوهام، وبمسمع منه صوت أرجل النملة على الصخرة الملساء، لأنهما صفتا كمال فهو الأحق بالاتصاف بهما من المخلوق، وقال تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام: ٨٣] وقد ألزم عليه السلام أباه الحجة بقوله: لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ [مريم: ٤٢] فأفاد أن عدمها نقص لا يليق بالمعبود" (٢).

ويرى البياضي: أن ثبوت السمع والبصر من المعلوم من الدين بالضرورة، وأنه لا حاجة لإقامة الأدلة العقلية على ثبوت ذلك، بل يكتفي بالأدلة السمعية. وخالف ابن الهمام جمهور الماتريدية، حيث ذهب إلى أن السمع والبصر يرجعان إلى صفة العلم، وقد نص على ذلك بقوله: "اعلم أنهما (أي السمع والبصر) يرجعان إلى صفة العلم" (٣).

ولا جرم أن القول بمغايرة السمع والبصر للعلم هو القول الصحيح، وذلك "لأن الله قرن بين العلم وبين السمع والبصر، وفرق بين السمع والبصر، وهو لا يفرق بين علم وعلم لتنوع المعلومات.


(١) ((تبصرة الأدلة)) (ل ١١٣، ١١٤).
(٢) ((المسايرة)) (ص ٦٥ - ٦٧).
(٣) ((المسايرة)) (ص ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>