للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت: ٣٦]، وفي موضع آخر: إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف: ٢٠٠]، وقال: وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: ٢٢٧] ذكر سمعه لأقوالهم، وعلمه ليتناول باطن أحوالهم، وقال لموسى وهارون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: ٤٦].وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قرأ على المنبر: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: ٥٨] ووضع إبهامه على أذنه وسبابته على عينه (١).ولا ريب أن مقصوده بذلك تحقيق الصفة، لا تمثيل الخالق بالمخلوق، فلو كان السمع والبصر العلم لم يصح ذلك" (٢).ويوضح هذا الإمام البيهقي رحمه الله في تعليقه على الحديث بقوله: "فالمراد بالإشارة المروية في هذا الخبر تحقيق الوصف لله عز وجل بالسمع والبصر، فأشار إلى محلي السمع والبصر منا لإثبات صفة السمع والبصر لله تعالى، كما يقال قبض فلان على مال فلان، ويشار باليد على معنى أنه عليم، إذ لو كان بمعنى العلم لأشار في تحقيقه إلى القلب، لأنه محل العلم منا ... " (٣).وقال الإمام الدارمي رحمه الله في رده على بشر المريسي: "لا يقال لشيء إنه سميع بصير إلا لمن هو من ذوي الأسماع والأبصار، وقد يقال في مجاز الكلام: الجبال والقصور تتراءى وتسمع، على معنى أنها تقابل بعضها بعضاً، وتبلغها الأصوات ولا تفقه، ولا يقال: جبل سميع بصير، وقصر سميع بصير، لأن سميع مستحيل ذلك إلا لمن يسمع بسمع، ويبصر ببصر. فإن أنكر أصحاب المريسي ما قلنا فليسموا شيئاً من ليس من ذوي الأسماع والأبصار أجازت العرب أن يقولوا فيه هو سميع بصير. فإنهم لا يأتون بشيء يجوز أن يقال له ذلك" (٤).

فإذا علم هذا، يتبين لنا أن القول بأن السمع والبصر يرجعان إلى صفة العلم قول ظاهر البطلان عقلاً ونقلاً، بل معلوم الفساد بالضرورة.

المصدر:الماتريدية دراسة وتقويماً تصنيف أحمد بن عوض بن داخل اللهيبي الحربي - ص٢٦٠

إن مذهب الماتريدية في صفات الله تعالى- مزيج أمشاج من حق، وباطل حيث دخل عليهم شيء كبير من الإلحاد في أسماء الله تعالى وصفاته وتعطيلها تحريف نصوصها، كما سيتضح للقراء بعد قليل.

فنبدأ ببيان ما عندهم من الحق الذي يشكرون عليه، وبه فارقوا الجهمية الأولى والمعتزلة ووافقوا الكتاب والسنة، وبذلك قاربوا أهل السنة في الجملة.

ونجمل أهم جوانبه فيما يلي:

١ - أثبتوا كثيراً من صفات الله تعالى الثبوتية الذاتية، كحياته تعالى، وعلمه، وقدرته، وإرادته سبحانه وتعالى، وإن كان عندهم تفلسف في طريق إثباتها كما سيأتي.

٢ - كما أثبت جمهورهم سمعه تعالى، وبصره سبحانه.

٣ - أما الصفات السلبية فأثبتوها مع إلحاد وتعطيل فاحشين وقوعا فيهما كما سيأتي.


(١) رواه أبو داود (٤٧٣٠) من حديث أبي هريرة، قال ابن حجر في ((الفتح)) (١٣/ ٣٨٥): إسناده قوي على شرط مسلم، وقال الألباني في ((صحيح أبي داود)) (٤٧٢٨): إسناده صحيح.
(٢) ((شرح الأصفهانية)) (ص ٤٤٦)، وانظر: ((رد الإمام الدارمي على بشر المريسي)) (ص ٤٣ - ٥٠).
(٣) ((الأسماء والصفات)) (ص ٢٣٤).
(٤) ((رد الدارمي على بشر المريسي)) (ص ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>