للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - أثبتوا صفة التكوين باعتبار أنها مرجعٌ للصفات الفعلية، وهذا القول وإن كان في طيه تعطيل لكنه أحسن من التعطيل الصريح.٥ - استدلوا لإثبات الصفات التي أثبتوها بنصوص الكتاب والسنة (١).

فقد عرفوا بعض قيمة نصوص الوحي ولو في الجملة وهذا خير من ردها بالكلية.٦ - لهم جهود عظيمة طيبة في الرد على الجهمية الأولى لإثبات ما أثبتوه من الصفات وإن كانت تلك الردود ترتد عليهم فيما نفوه من الصفات؛ لأنهم كثيراً ما يحتجون بحجج أهل السنة على الجهمية الأولى والمعتزلة ثم يخالفون ما تدل عليه تلك الحجج فيتناقضون فترتد عليهم تلك الحججُ نفسها (٢).

وأما ما عندهم من باطل في مذهبهم في صفات الله تعالى، فقد دخل عليهم باطل من إلحاد وتعطيل.

الناحية الأولى: حول تقسيمهم للصفات:

ونجملها فيما يلي:١ - أول إلحاد وتعطيل وقعوا فيهما - هو حصرهم لصفات الله تعالى، فأنت رأيت أنهم حصروا جميع الصفات في إحدى وعشرين صفةً لا غير، وقد صرح أحد أئمتهم ألا وهو كمال الدين البياضي الحنفي الماتريدي (١٠٩٨هـ) بحصر الصفات الذاتية الثبوتية في سبعٍ، والصفة الثامنة هي التكوين، وهي صفة فعلية فقال: "وعند جلة الخلف لا يزيد على الصفات الثمانية، والصفات الأخرى راجعة إليها" (٣).كما صرح الشاه محمد أنور الكشميري أحد كبار أئمة الديوبندية (١٣٥٢هـ) بأن الأسماء الحسنى كلها مندرجة في صفة التكوين (٤).

ومعلوم أن صفة التكوين مرجعٌ للصفات الفعلية عندهم فهي صفة فعل فأين يضعون لفظ الجلالة "الله" وهو الاسم الأعظم ونحوه من الأسماء الحسنى التي تدل على ذات الله تعالى وعلى الصفات الثبوتية الذاتية الكمالية، فهل يضعونها أيضاً في صفة التكوين؟.

ولما قالوا بحصر الصفات الإلهية فيما ذكروه عطلوا جميع ما سواها من صفات الله الكمالية، وحرفوا نصوصها الصريحة المحكمة الصحيحة، كما سيأتي عدة أمثلة لذلك.

وهذا - والله تعطيل وإلحاد صريحان قبيحان - كما ذكرنا في معنى الزندقة والإلحاد.٢ - الماتريدية تظاهروا بإثبات سبع صفات ذاتية ثبوتية ألا وهي: "الحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام" لكنهم في الحقيقة لا يثبتونها كلها جميعاً باتفاقهم بل الحقيقة أنهم اتفقوا على إثبات الصفات الأربع الأول فقط، وأما صفتا "السمع والبصر" فجمهورهم يثبتونها وخالفهم بعضهم كالإمام ابن الهمام شارح الهداية (٨٦١هـ) فأرجعهما إلى صفة "العلم" (٥).ومعلوم أن إرجاع صفة إلى أخرى وتفسير صفة بمعنى أخرى تعطيل صريح وتحريف قبيح فمن فسر "العلم" بالحياة، أو فسر "اليد" بالقدرة ونحو ذلك فقد أبطل وعطل حتى بشهادة الإمام أبي حنيفة رحمه الله وفي ذلك عبرة (٦).وهم مع إثباتهم لهذه الصفات تفلسفوا في إثباتها تفلسفاً كادوا أن ينفوها ويعطلوها فإنهم قد صرحوا بأن كلاً من هذه الصفات صفة واحدة قديمة أزلية لا تكثر فيها ولا تجدد وإنما التجدد في متعلقاتها؛ لأن ذلك أليق بكمال التوحيد (٧).

فأخرجوا الصفات عما عرف في الشرع والعقل والفطرة.


(١) انظر ((شرح العقائد النسفية)) (ص ٤٤ - ٥٨)، وانظر ((كتاب التوحيد)) للماتريدي (ص ٥٧).
(٢) انظر على سبيل المثال كتاب ((التوحيد للماتريدي) (ص ٢٥، ٤٢، ٥٧، ٩٣، ٩٤).
(٣) ((إشارات المرام)) (ص ١٨٨)، وقوله: "الثمانية" خطأ والصواب "الثماني".
(٤) ((فيض الباري)) (٤/ ٥١٧).
(٥) انظر ((المسايرة مع شرحها)) لقاسم بن قطلوبغا، وسكت عليه (ص ٦٩).
(٦) انظر ((الفقه الأكبر بشرح القاري)) (ص ٥٨ - ٥٩).
(٧) ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص ٥٥ - ٥٦)، و ((النبراس)) للفريهاري ((ص ٢١٧ - ٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>