للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تثبت الماتريدية كرامات الأولياء كما أنهم يثبتون معجزات الأنبياء ويرون أنه لا فرق بينهما إلا التحدي الذي هو دعوى الرسالة فالمعجزة عندهم أمر خارق للعادة غير مقرون بالتحدي ويرون أنه لا تعارض ولاالتباس بين إثبات المعجزات وإثبات الكرامات بل إن كرامة الولي من معجزة النبي ودليل على صدقه لأن كرامة التابع كرامة المتبوع والولي لا يكون وليا حتى يكون مصدقا بالنبي ومتبعا له. قال أبو المعين النسفي مبينا تعريف المعجزة:" المعجزة وحدها على طريقة المتكلمين أنها ظهور أمر بخلاف العادة في دار التكليف لإظهار صدق مدعي النبوة مع نكول من يتحدى به عن معارضته بمثله وإنما قيد بدار التكليف لأن ما يظهر من الناقض للعادة في دار الآخرة لا يكون معجزة وإنما قلنا لإظهار صدق مدعي النبوة ليقع الاحتراز به عما يظهر مدعي الألوهية إذ ظهور ذلك على يده جائز عندنا وفيه أيضا احتراز يظهر على يد الولي إذ ظهور ذلك كرامة للولي جائز عندنا وإنما قلنا لإظهار صدقه لأن ذلك لو ظهر لإظهار كذبه ... لا يكون ذلك معجزة له ولا دليلا على صدقه بل يكون دليلا على كذبه في دعواه وإنما قلنا مع نكول من يتحدى به عن معارضته بمثله لأن الناقض للعادة لو ظهر على يده ثم ظهر على يد المتحدي به مثله لخرج ما ظهر على يده عند المعارضة عن الدلالة إذ مثله ظهر على يدي من يكذبه يكون دليل صدق من يكذبه فيتعارض الدليلان فيسقطان" (١).وقال مبينا اعتقاد الماتريدية في كرامات الأولياء: " وظهور الكرامة على طريق نقض العادة للولي جائز عندنا غير ممتنع ... وأهل الحق أقروا بذلك لما اشتهر من الأخبار واستفاض من الحكايات عن الأحبار فلا وجه إلى رد ما انتشر به الخبر عن صالحي الأئمة في ذلك وما ظنوا (أي: المعتزلة) أنه يؤدي إلى انسداد طريق الوصول إلى معرفة النبي والرسول ... فظن باطل بل كل كرامة للولي تكون معجزة لرسول فإن ظهورها يعلم أنه ولي ولن يكون وليا إلا وأن يكون محقا في ديانته إذ المعتقد دينا باطلا عدو لله لا وليه وكونه محقا في ديانته وديانة الإقرار برسالة رسوله واتباعه إياه في دينه دليل صحة رسالة رسوله فمن جعل ما هو معجزة للرسول ودلالة صدقه مبطلا للمعجزة وسادا لطريق الوصول إلى معرفتها فقد وقع في غلط فاحش وخطأ بين ثم كيف يؤدي ذلك إلى التباس الكرامة بالمعجزة والمعجزة تظهر على أثر الدعوة والولي لو ادعى الرسالة لكفر من ساعته وصار عدوا لله تعالى ولا يتصور بعد ذلك ظهور الكرامة على يده وكذا صاحب المعجزة لا يكتم معجزته بل يظهرها وصاحب الكرامة يجتهد في كتمانها ويخاف أنها من قبيل الاستدراج له دون الكرامة ويخاف الاغترار لدى الاشتهار ... ثم فيها فائدة ثبوت رسالة من آمن به الولي وصيرورة الولي كمن عاين من أهل عصر النبي معجزته وتصير أيضا مبعثة له على الجد والاجتهاد في العبادات والاحتراز عن السيئات .. " (٢). وقال الناصري:" الفرق بين النبي والولي ظاهر لأن النبي يدعي المعجزة والكرامة ويتحدى بها الخلق فيقول إن آية رسالتي وثبوتي كذا وكذا والولي لا يدعي الكرامة وإنما تظهر على يده من غير تحد ودعوى ومتى ادعاها سقط من رتبة الولاية وصار فاسقا كذا ذكر علماء الأصول منهم سيف الحق أبو المعين .... " (٣).

وقال الأوشي:


(١) ((التمهيد)) (ص٤٦).
(٢) ((التمهيد)) (ص ٥١، ٥٢)، وانظر ((تبصرة الأدلة)) (ل ٢٧١، وما بعدها) , (٣٢٩ وما بعدها)، ((بحر الكلام)) (ص ٦١، ٦٢)، ((أصول الدين)) للبزدوي (ص ٩٦ - ٩٩، ٢٢٧ - ٢٣٠)، ((سلام الأحكم على سواد الأعظم)) (ص ١٢٢ - ١٢٥)، ((المسايرة)) (ص ١٩٦، ٢٠٣ - ٢١٢)، ((بيان الاعتقاد)) (ل ٢١، ٢٢، ٢٩).
(٣) ((النور اللامع)) (ل ١٢١)، وانظر (١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>