للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"كرامات الولي بدار دنيا لها كون فهم أهل النوالقال الآلوسي: كرامات الولي ... جمع كرامة وهي ظهور أمر خارق للعادة مقارن للاعتقاد الصحيح والأعمال الصالحة غير مقارن لدعوى النبوة وصاحبها مقر بالمتابعة إذ بها تحقق ولايته والوثوق بصدق كرامته ودعواه النبوة دليل نفي الكرامة عنه وثبوت كونه متصفا بالكذب فضلا عن التميز بالولاية وبهذا تمتاز عن المعجزة ... " (١).

وقال ملا علي قاري: " والكرامات للأولياء حق أي: ثابت بالكتاب والسنة ولا عبرة بمخالفة المعتزلة وأهل البدعة في إنكار الكرامة والفرق بينهما أن المعجزة أمر خارق للعادة كإحياء الميت وإعدام جبل على وفق التحدي وهو دعوى الرسالة والكرامة خارق للعادة إلا أنها غير مقرونة بالتحدي وهي كرامة للولي وعلامة لصدق النبي فإن كرامة التابع كرامة المتبوع ... " ثم قال: " كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي لا فارق بينهما إلا التحدي ... والحاصل أن الأمر الخارق للعادة هو بالنسبة إلى النبي معجزة سواء ظهر من قبله أو من قبل أمته لدلالته على صدق نبوته وحقية رسالته فبهذا الاعتبار جعل معجزة له وإلا فحقيقة المعجزة أن تكون مقارنة للتحدي على يد المدعي وبالنسبة إلى الولي كرامة" (٢)

ظهر لنا مما تقدم أن الماتريدية تشترط في المعجزة حتى تكون دليلا صحيحا على إثبات النبوة ثلاثة شروط: خرق العادة والتحدي وعدم المعارضة.

وحدهم هذا للمعجزة غير منضبط وبيانه من وجوه:١ - " ليس في الكتاب والسنة تعليق الحكم بهذا الوصف بل ولا ذكر خرق العادة ولا لفظ المعجز وإنما فيه آيات وبراهين وذلك يوجب اختصاصها بالأنبياء" (٣).

٢ - " كون الآية خارقة للعادة .... وصف لا ينضبط وهو عديم التأثير فإن نفس النبوة معتادة للأنبياء خارقة للعادة بالنسبة إلى غيرهم .... كما أن ما يعرفه أهل الطب والنجوم والفقه والنحو هو معتاد لنظرائهم وهو خارق بالنسبة إلى غيرهم. ولهذا إذا أخبر الحاسب بوقت الكسوف والخسوف تعجب الناس إذ كانوا لا يعرفون طريقه فليس في هذا ما يختص بالنبي ...

فكونه خارقا للعادة ليس أمرا مضبوطا فإنه إن أريد به أنه لم يوجد له نظير في العالم فهذا باطل فإن آيات الأنبياء بعضها نظير بعض بل النوع منه كإحياء الموتى هو آية لغير واحد من الأنبياء وإن قيل: إن بعض الأنبياء كانت آيته لا نظير لها كالقرآن والعصا والناقة لم يلزم ذلك في سائر الآيات.

ثم هب أنه لا نظير لها في نوعها لكن وجد خوارق العادات للأنبياء غير هذا فنفس خوارق العادات معتاد جميعه للأنبياء بل هو من لوازم نبوتهم مع كون الأنبياء كثيرين ...

وإن عني بكون المعجزة هي الخارق للعادة أنها خارقة لعادة أولئك المخاطبين بالنبوة بحيث ليس فيهم من يقدر على ذلك فهذا ليس بحجة فإن أكثر الناس لا يقدرون على الكهانة والسحر ونحو ذلك ...

وأيضا فكون الشيء معتادا هو مأخوذ من العود وهذا يختلف بحسب الأمور فالحائض المعتادة من الفقهاء من يقول تثبت عادتها بمرة ومنهم من يقول بمرتين ومنهم من يقول لا تثبت إلا بثلاث وأهل كل بلد لهم عادات في طعامهم ولباسهم وأبنيتهم لم يعتدها غيرهم فما خرج عن ذلك فهو خارق لعادتهم لا لعادة من اعتاده غيرهم فلهذا لم يكن في كلام الله ورسوله وسلف الأمة وأئمتها وصف آيات الأنبياء بمجرد كونها خارقة للعادة ولا يجوز أن يجعل مجرد خرق العادة هو الدليل فإن هذا لا ضابط له وهو مشترك بين الأنبياء وغيرهم ولكن إذا قيل من شرطها أن تكون خارقة للعادة بمعنى أنها


(١) ((نثر اللآلئ)) (ص ١٣٨).
(٢) ((شرح الفقه الأكبر)) (ص ٧٩)، وانظر ((حاشية العصام على شرح العقائد)) (ص ٢٠٦، ٢٠٧).
(٣) ((النبوات)) لابن تيمية (ص ٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>