للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تكون معتادة للناس فهذا ظاهر يعرفه كل أحد ويعرفون أن الأمر المعتاد مثل الأكل والشرب ليس دليلا ولا يدعي أحد أن مثل هذا دليل له فإن فساد هذا ظاهر لكل أحد ولكن ليس مجرد كونه خارقا للعادة كافيا لوجهين أحدهما أن كون الشيء معتادا وغير معتاد أمر نسبي إضافي ليس بوصف مضبوط تتميز به الآية ... الثاني أن مجرد ذلك مشترك بين الأنبياء وغيرهم ... " (١). ٣ - " إن آيات الأنبياء ليس من شرطها استدلال النبي بها ولا تحديه بالإتيان بمثلها بل هي دليل على نبوته وإن خلت عن هذين القيدين وهذا كإخبار من تقدم من بنبوة محمد فإنه دليل على صدقه وإن كان هو لم يعلم بما أخبروا به ولا يستدل به وأيضا فما كان يظهره الله على يديه من الآيات مثل تكثير الطعام والشراب مرات وكنبع الماء من بين أصابعه غير مرة ... وغير ذلك كله من دلائل النبوة ولم يكن يظهرها للاستدلال بها ولا يتحدى بمثلها بل لحاجة المسلمين إليها وكذلك إلقاء الخليل في النار إنما كان بعد نبوته ودعائه لهم إلى التوحيد" (٢). ومما يلزمهم " أن ما كان يظهر على يد النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت من الأوقات ليس دليلا على نبوته لأنه لم يكن كلما ظهر شيء من ذلك احتج به وتحدى الناس بالإتيان بمثله بل لم ينقل عنه التحدي إلا في القرآن خاصة ولا نقل التحدي عن غيره من الأنبياء مثل موسى والمسيح وصالح ولكن السحرة لما عارضوا موسى أبطل معارضتهم. وهذا الذي قالوه يوجب أن لا تكون كرامات من جملة المعجزات ... " (٣).٤ - " أن المعارضة بالمثل أن يأتي بحجة مثل حجة النبي وحجته عندهم مجموع دعوى النبوة والإثبات بالخارق فيلزم على هذا أن تكون المعارضة بأن يدعي غيره النبوة ويأتي بالخارق وعلى هذا فليست معارضة الرسول بأن يأتوا بالقرآن أو عشر سور أو سورة مثل أن يدعي أحدهم النبوة ويفعل ذلك وهذا خلاف العقل والنقل ولو قال الرسول لقريش لا يقدر أحد منكم أن يدعي النبوة ويأتي بمثل القرآن وهذا هو الآية وإلا فمجرد تلاوة القرآن ليس آية بل قد يقرأه المتعلم له فلا تكون آية لأنه لم يدع النبوة ولا ادعاها لكان الله ينسيه إياه أو يقيض له من يعارضه كما ذكرتم لكانت قريش وسائر العلماء يعلمون أن هذا باطل " (٤).ثم إنه "قد يأتي الرجل بما لا يقدر الحاضرون على معارضته ويكون معتادا لغيرهم كالكهانة والسحر ... " (٥). و" قد ادعى جماعة من الكذابين النبوة وأتوا بخوارق الكهان والسحرة ولم يعارضهم أحد في ذلك المكان والزمان وكانوا كذابين ... " (٦).

٥ - " إن آيات الأنبياء مما يعلم العقلاء أنها مختصة بهم ليست مما تكون لغيرهم فيعلمون أن الله لم يخلق مثلها لغير الأنبياء وسواء في آياتهم التي كانت في حياة قومهم وآياتهم التي فرق الله بها بين أتباعهم وبين مكذبيهم بنجاة هؤلاء وهلاك هؤلاء ليست من جنس ما يوجد في العادات المختلفة لغيرهم ... فآيات الأنبياء هي أدلة وبراهين على صدقهم والدليل يجب أن يكون مختصا بالمدلول عليه لا يوجد مع عدمه ولا يتحقق الدليل إلا مع تحقق المدلول كما أن الحادث لابد له من محدث فيمتنع وجود حادث بلا محدث ... فكذلك ما دل على صدق النبي يمتنع وجوده إلا مع كون النبي صادقا ... المقصود أن جنس الأنبياء متميزون عن غيرهم بالآيات والدلائل الدالة على صدقهم التي يعلم العقلاء أنها لم توجد لغيرهم فيعلمون أنها ليست لغيرهم لا عادة ولا خرق عادة ... " (٧).


(١) ((النبوات)) (ص ٢٠، ٢١، ٢٣).
(٢) ((النبوات)) (ص ١٥٦).
(٣) ((النبوات)) (ص ١٧٧، ١٧٨)، وانظر (ص ٢٠٩، ٢٩٣).
(٤) ((النبوات)) (ص ١٥٢).
(٥) ((النبوات)) (ص ٢٣).
(٦) ((النبوات)) (ص ١٥٥).
(٧) ((النبوات)) (ص ١٥٩ - ١٦٢، ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>