للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى [طه:١٣٤].

فهذه الآيات صريحة في عدم تعذيب من لم تبلغه دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ ودلت هذه الآيات على أن وجوب المعرفة والتكليف والثواب والعقاب بالشرع لا بالعقل.

وبوب الإمام اللالكائي (٤١٨هـ) فقال: (سياق ما يدل من كتاب الله عز وجل، وما روي عن النبي على أن وجوب معرفة الله تعالى وصفاته بالسمع لا بالعقل). ثم قال: (هذا مذهب أهل السنة والجماعة) (١).

وقال الإمام أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني (٤٨٩هـ) على ما ذكره الحافظ ابن حجر ملخصه وأقره: (إن العقل لا يوجب شيئا، ولا يحرم شيئا، ولا حظ له في شيء من ذلك، ولو لم يرد الشرع بحكم ما وجب على أحد شيء). ثم استدل بآيتين من كتاب الله، ثم قال: (ونحن لا ننكر أن العقل يرشد إلى التوحيد، وإنما ننكر أنه يستقل بإيجاب ذلك. .) (٢).

المسألة الثالثة: التكوين

وهو مبدأ الإخراج من العدم إلى الوجود، وصفات الأفعال راجعة إليه، وهو عبارة عن الإيجاد، والتخليق والترزيق، والإحياء والإماتة.

فالتكوين عند الماتريدية صفة أزلية، وأن الصفات الفعلية كلها من متعلقات التكوين وليست صفات حقيقية، وإلا لزم قيام الحوادث بالله تعالى، أو لزم تكثير القدماء جدا.

أما الأشعرية فلا يعترفون بصفة التكوين، فصفات الأفعال عندهم كلها حوادث، وهي ليست من صفات الله تعالى؛ بل هي إضافات واعتبارات، وليس التكوين. صفة أخرى غير القدرة والإرادة، فمرجع صفات الأفعال عندهم مجموع القدرة والإرادة.

وقد صرح الإمام ابن الهمام بأن القول بأن الصفات الفعلية قديمة راجعة إلى التكوين، وأنها زائدة على الصفات السبع ليس في كلام أبي حنيفة، ولا في كلام أصحابه المتقدمين، وإنما حدث هذا القول من زمن أبي منصور الماتريدي، فادعى متأخرو الحنفية ذلك.

وقد جعل ابن الهمام (٨٦١هـ) والملا علي القاري (١٠١٤هـ) من الماتريدية؛ وابن أبي شريف (٩٠٦هـ) من الأشعرية هذا الخلاف لفظيا. ولذلك قال الرازي (٦٠٦هـ) في مناظرته مع نور الدين الصابوني (٥٨٠هـ) الماتريدي: " هذه الصفة التي سميتها التكوين إن كانت عبارة عن هذه الصفات السبع فنحن نعترف بها إلا أن البحث يصير لفظيا، وإن كانت صفة أخرى فلابد من بيانها وشرح حقيقتها حتى يمكننا نفيها أو إثباتها " (٣).

واختار الغزالي (٥٠٥هـ) لرفع هذا الخلاف طريقة القوة والفعل فقال: (إن كون الله خالقا قبل الخلق بالقوة، وكونه خالقا بعد الخلق بالفعل، كالسيف يسمى صارما بالقوة في الغمد كما يسمى صارما بالفعل عند حصول القطع به، والماء في الكوز يسمى مرويا بالقوة، وعند الشرب يسمى مرويا بالفعل.

قلت: ولعل الباقلاني يشير إلى هذا، فيقول في تعريف صفات الأفعال: كل صفة كان موجودا قبل فعله لها غير أن وصفه لنفسه بجميع ذلك قديم).


(١) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (٢/ ١٩٣).
(٢) ((فتح الباري)) (١٣/ ٣٥٣)، وانظر أيضا: ((رسالة في الكلام على الفطرة ضمن مجموعة الرسائل الكبرى)) (٢/ ٣٤٤)، و ((لوامع الأنوار البهية)) للسفاريني: (١/ ١١٣)، و ((مختصر لوامع الأنوار البهية)) لابن سلوم: (٩٢) وراجع ((النبوات)) (٢٣٩ – ٢٤٠).
(٣) ((مناظرات الرازي)): (١٩)، وانظر ((المحصل)) له: (٢٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>