للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقولون في معنى كون موسى كليم الله: (إنه سمع صوتا دالا على كلام الله تعالى بدون واسطة الكتاب والملك).

وبهذا العرض يتبين أن الماتريدية ينفون جواز سماع كلام الله تعالى مطلقا، فبطل ظن ابن أبي شريف، وشيخ زاده، من أن الخلاف في سماع موسى عليه السلام لكلام الله تعالى فقط.

كما تبين للقراء أن الماتريدية مخالفون للسلف مخالفة صريحة، ولاسيما الإمام أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - فهل يستطيع بعد هذا أحد أن يدعي أن الماتريدية من أهل السنة، أو هم أتباع الإمام أبي حنيفة في مثل هذه المخالفات؟

بل ظهر أنهم أهل بدعة، وأنهم يصرحون بالقول بخلق القرآن، وأنهم في هذا موافقون للجهمية الأولى والمعتزلة مع قولهم ببدعة أخرى وهي القول بالكلام النفسي، وفي هذا القدر كفاية لمن يطلب الحق ويعتبر.

وأما قول الأشعرية - مع أنه بظاهره موافق لقول السلف - أبعد في بداهة العقل، وأشد فسادا، لأنهم - أيضا - قائلون بالكلام النفسي الذي ليس بحرف ولا صوت، فكيف يقولون مع هذا بسماع كلام الله تعالى؟!.

وانتبه لهذا بعض الأشعرية؛ فالرازي فيلسوف الأشعرية صرح بعدم سماع كلام الله لأن علة صحة المسموعية هي الصوتية فقط. وإمام الحرمين أبو المعالي، فسر سماع كلام الله بكونه مفهوما معلوما.

قلت: فعل هذا يكون الخلاف بين الأشعرية والماتريدية لفظيا كما صرح به بعض الماتريدية.

فكلا الفريقين - في الحقيقة - على عدم جواز سماع كلام الله سبحانه عما يقولون علوا كبيرا.

المسألة الخامسة: هل يجوز من الله التكليف بما لا يطاق؟

فالأشعرية على الجواز، والماتريدية على المنع.

ثم ما لا يطاق أنواع ثلاثة:

الأول: مستحيل عقلا كالجمع بين النقيضين، أو الضدين، أو قلب الحقائق فهذا لا يجوز التكليف به إجماعا.

والثاني: مستحيل عادة لانتفاء شرط، أو وجود مانع كطيران الإنسان، فهذا هو محل النزاع.

والثالث: المستحيل وقوعا لعلم الله تعالى بعدم وقوعه كإيمان أبي جهل مثلا، فإنه ليس مستحيلا لا عقلا ولا عادة بل استحال وقوعا لعلم الله تعالى بعدم وقوعه، فهذا النوع قد وقع به التكليف إجماعا بلا خلاف، فأبو جهل كان مكلفا بالإيمان. وفي مثله لا يقال: إنه تكليف بما لا يطاق لأن أبا جهل كان مقتدرا على الإيمان، لأنه لم يسلب عنه القدرة على الإيمان وإنما اختار الكفر باختياره.

قلت: مذهب الأشعرية في غاية الفساد، والحق عدم جواز التكليف بما لا يطاق عقلا ونقلا: أما عقلا فلأنه سفه يخالف حكمة الله تعالى، وقسوة تخالف رحمة الله، وظلم يخالف عدله وإحسانه.

وأما نقلا فلقوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: ٢٨٦].

وهذا هو مذهب أهل السنة. وقدر الله تعالى وسبق علمه سبحانه لا يجعلان العبد مجبورا ولا يقال لذلك تكليف بما لا يطاق.

وقول الأشعرية يدل على أنهم جبرية كما يأتي جبرهم الصريح في كسبهم.

المسألة السادسة: هل يجوز صدور الصغائر عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أم لا؟ ذكر التاج السبكي وأبو عذبة أن الأول مذهب أبي الحسن الأشعري، وبعض الأشعرية، والثاني مذهب الحنفية - أي الماتريدية (١).

قلت: نسبة القول بعدم جواز صدور الصغائر عن الأنبياء عليهم السلام إلى الحنفية هكذا على الإطلاق غير صحيح؛ لأن أقوال الأشعرية، والماتريدية في هذه المسألة مضطربة، حتى في جواز صدور الكبائر سهوا فضلا عن الصغائر وبيان ذلك ما يلي:

١ - طائفة من الماتريدية والأشعرية تصرح بأن الأكثرين على جواز صدور الكبائر سهوا عن الأنبياء عليهم السلام.

بينما نرى كثيرا من الماتريدية والأشعرية لا يجوزون صدور الكبائر عنهم سهوا.


(١) ((طبقات الشافعية)) (٣/ ٣٨٧) ((الروضة البهية)) (٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>