فهذا اضطراب الفريقين في جواز صدور الكبائر سهوا عن الأنبياء عليهم السلام، وعدم جوازها.
٢ - وأما اضطرابهم في جواز صدور الصغائر عنهم عليهم السلام عمدا فطائفة من الماتريدية والأشعرية تصرح بأن جوازها مذهب الجمهور، ونجد كثيرا من الماتريدية والأشعرية لا يجوزون ذلك.
٣ - اضطرابهم في جواز صدور الصغائر عن الأنبياء عليهم السلام سهوا هو أننا نرى جماعة من الماتريدية والأشعرية يذكرون الاتفاق على ذلك، ولكن يشترطون شرطين:
الأول: أن لا تكون تلك الصغائر مما يدل على الخسة أو يوجب التنفير كسرقة لقمة أو التطفيف بحبة.
الثاني: أن ينبهوا على ذلك من الله تعالى فينتبهوا حتى لا يقروا على ذلك.
بينما كلام بعض الماتريدية والأشعرية صريح، أو ظاهر في نفي جواز صدور الصغائر عنهم عليهم السلام سهوا والفنجفيرية على هذا.
٤ - اضطرابهم في جواز صدور الزلة والخطأ والسهو والنسيان عنهم عليهم السلام، فجمهور الماتريدية والأشعرية يصرحون بجواز ذلك كله. فالذين جوزوا صدور الكبائر سهوا. والصغائر عمدا، أو سهوا عن الأنبياء عليهم السلام جوزوا صدور الخطأ والسهو والنسيان عنهم بالطريق الأولى. وقد صرح الإمام أبو حنيفة بذلك فقال:(وقد كانت منهم زلات وخطيئات)(١).
وشذ من بين الحنفية مشايخ سمرقند فأفرطوا ومنعوا إطلاق اسم الزلة على ما صدر من الأنبياء عليهم السلام وقالوا:(إنما يقال فعلوا الفاضل وتركوا الأفضل فعوتبوا عليه) وارتكبت الفنجفيرية هذا الإفراط.
كما شذ من بين الأشعرية بعضهم فأفرط ونفى صدور الخطأ والنسيان عنهم عليهم السلام.
قلت: هذه كانت أقوال الماتريدية والأشعرية في عصمة الأنبياء عن الكبائر والصغائر والخطأ والسهو والنسيان، وقد عرفت ما فيها من التناقض والتضارب.
وهذه الأقوال منها حق، ومنها باطل محض.
(١) ((الفقه الأكبر بشرح القاري)) (٩٠)، و ((بشرح أبي المنتهى المغيساوي)) (٢٢).