للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الذي اعتمده نفاة العلم عن أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خرقوا به إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة، وإجماع التابعين، وإجماع أئمة الإسلام؛ ووافقوا به المعتزلة، والجهمية، والرافضة، والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة، وتبعهم بعض الأصوليين، والفقهاء، وإلا فلا يعرف لهم سلف في الأئمة بذلك بل صرح الأئمة بخلاف قولهم. ثم أفاض الإمام ابن القيم في نقل إجماع الأئمة على ذلك ولاسيما الأئمة الثلاثة مالك، والشافعي، وأحمد، وأصحاب الإمام أبي حنيفة، وغيرهم (١).٤ - وقد ذكر ابن عبدالبر الإجماع على قبول خبر الواحد في العقائد وله كلام قيم في بيان منهج السلف في العقيدة ولاسيما في الصفات فارجع إليه (٢).

الوجه الثاني:

أن نعارض الماتريدية بمنهج الإمام أبي حنيفة وأصحاب الأوائل في مصدر تلقي العقيدة فإن منهجهم في تلقي العقيدة أنهم يأخذون العقيدة عن كتاب الله تعالى والسنة الصحيحة بما فيها أخبار الآحاد، كما يستخدم الإمام دليل الفطرة الصحيحة السليمة أيضاً. فلا يوجد في منهج الإمام وأصحابه شيء مما زعمه هؤلاء المتكلمون: من أن ظواهر النصوص أدلة لفظية ظنية أو أخبار الآحاد ظنية لا تثبت بها العقيدة، بل نجد عندهم خلاف ما عند هؤلاء المتكلمين.

إذاً فهم خارجون جهاراً على أئمتهم مخالفون لمنهجهم في تلقي العقيدة.

وأنهم مبتدعون في تفريقهم حول أخبار الآحاد: من أنها تفيد العمل ولا تفيد العلم ومخالفون لإمامهم في آنٍ واحدٍ فليسوا أهل السنة.

وها هي نماذج من نصوص الإمام أبي حنيفة وبعض كبار أصحابه.

١ - قال الإمام أبو حنيفة:

"من قال: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقد كفر. وكذا من قال: إنه على العرش ولا أدري العرش في السماء أو في الأرض؟.والله يدعى من أعلى لا من أسفل لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء وعليه ما روي في الحديث، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقال: وجب علّي عتق رقبة مؤمنة أفتجزئ هذه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمؤمنة أنتِ فقالت: نعم فقال: أين الله فأشارت إلى السماء، فقال: (أعتقها فإنها مؤمنة)) (٣).

قلت: أيها المسلم! هذا نص أبي حنيفة بشهادة الحنفية الماتريدية جميعاً وعلى آخرهم الكوثري فقد ترى أن الإمام استدل في أكبر مسألة، وأوضحها في العقيدة - وهي العلو لله تعالى واستوائه على عرشه- بدليل الفطرة، وحديث الجارية اللذين تلاعب بهما المتكلمون وعلى رأسهم الكوثري أنواع التلاعب، ولم يكتف الإمام بإثبات علو الله تعالى بل كفّر من أنكر ذلك أو شك فيه، وفي ذلك عبرة للمتكلمين عامة وللماتريدية خاصة.

ولا شك أن حديث الجارية خبر الواحد وإن قيل بتواتره.


(١) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (٣/ ٤٧٣ - ٤٧٥)، ولعل كلام ابن القيم هذا مأخوذ من كلام الإمام أبي المظفر السمعاني في كتابه ((الانتصار)) انظر نص كلام السمعاني في ((مختصر الصواعق)) (٢/ ٥٠٤ - ٥٠٨)، الطبعة الجديدة، و (٢/ ٤٠٥ - ٤١٢)، الطبعة القديمة و (ص ٤٨٥ - ٤٨٨)، ط دار الكتب العلمية.
(٢) انظر المختبر المبتكر المعروف ((بشرح الكوكب المنير)) لابن النجار الفتوحي الحنبلي (٢/ ٣٥٢)، عن ابن عبدالبر، وانظر ((جامع بيان العلم وفضله)) (ص ٤١٧) و ((التمهيد)) / لابن عبدالبر (٧/ ١٤٥، ١٥٨).
(٣) رواه مسلم (١٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>