للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - وقال الإمام محمد بن الحسن رحمه الله:"اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على أن الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير، ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج عما كان عليه النبي"؛ وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول الجهم فقد فارق الجماعة؛ لأنه قد وصفه بصفة لا شيء (١).

تفكر أيها المسلم: في كلام هذا الإمام، فإنه مشتمل على الأمور الثلاثة على الأقل:

الأول: الإجماع على إثبات الصفات لله التي جاء بها الكتاب والأحاديث المروية عن طريق الثقات.

الثاني: الإجماع على إثبات الصفات بالأحاديث بدون تقييد كونها متواترةً أو مشهورةً أو أخبار الآحاد بعد أن كانت صحيحةً مرويةً عن الثقات.

الثالث: الإجماع على الإيمان بصفات الله تعالى من غير تكييف ولا تشبيه ولا تفسير الجهمية وتأويلهم الذي هو عين التحريف والتعطيل المؤدي إلى كون الله تعالى موصوفاً بصفة لا شيء لأن نفي علو الله والقول بأنه لا فوق ولا تحت ولا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل به ولا ومنفصل عنه صفة معدوم بل ممتنع كما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى."هذه الأحاديث قد روتها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها" (٢).

فهذا نص صريح في إثبات الصفات بالأحاديث التي رويت عن الثقات بدون قيد التواتر فيصح الأخذ في باب العقيدة بالسنة بعد أن كانت صحيحة مروية عن طريق الثقات وهذا هو منهج السلف الصالح، ولاسيما أئمة الحنفية وفي ذلك عبرة للماتريدية أيما عبرة.


(١) رواه اللالكائي في ((شرح أصول الاعتقاد)) (٣/ ٤٣٢ - ٤٣٣)، والموفق بن قدامه في ((إثبات العلو)) (ص ١١٧)، ومن طريقه الذهبي في ((العلو)) (ص ١١٣)، وفي إسناده كلام ونقله شيخ الإسلام في ((الحموية)) (ص ٥٤) و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٥٠) و ((ضمن مجموعة الرسائل الكبرى)) (١/ ٤٤٦ - ٤٤٧)، وحكم بثبوته في ((مجموع الفتاوى)) (٤/ ٤ - ٥)، وابن القيم في ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) (ص ٢٢٢ - ٢٢٣) والحافظ في ((الفتح)) (٣/ ٤٠٧)، وأقره، والكوثري في ((بلوغ الأماني)) (ص ٥٣ - ٥٤)، وتعليقاته على ((الأسماء والصفات)) (ص ٣١٤) غير أنه حمله على التفويض فحرف مراد السلف ونقله أيضاً أبو الخير الماتريدي في ((عقيدة الإسلام)) (ص ٢٤٠)، وأقره وذكره السيوطي في ((الإتقان)) (٣/ ١٣)، وأبو المعين في ((بحر الكلام)) (ص ٢٦)، مختصراً وحمله أيضاً على التفويض وقد عرفت أن تفويضهم تقول وتقويل.
(٢) رواه اللالكائي في ((شرح أصول الاعتقاد)) (٣/ ٤٣٣)، وذكره أبو الخير في ((عقيدة الإسلام)) وأقره والكوثري ذكره في ((بلوغ الأماني)) (ص ٥٣)، واستدل به على التفويض المزعوم الباطل ولكن قد ذكرنا مراراً أن مراد السلف في قولهم: نمرها كما جاءت أو قولهم: "لا نفسرها" نفي تأويلات الجهمية وتحريفاتهم وليس مرادهم أنهم لا يعرفون معاني هذه النصوص كما قالوا ذلك في نصوص الرؤية، وانظر ((العقيدة الطحاوية)) مع شرحها لابن أبي العز (٢/ ١٨٦ - ١٩٦). وكلام الطحاوي الآتي ريح مريح.

<<  <  ج: ص:  >  >>