للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاصل: أن سؤال الصحابة وعدم سؤالهم في باب الصفات كلاهما دليل قاطع على أنهم كانوا يعرفون معانيها ويفهمون المراد منها.

وهكذا نرى الصحابة اختلفوا في باب الأحكام ولم يختلفوا قطعاً في باب الصفات قط.

ويزيد هذا المطلب إيضاحاً كلام الإمام المقريزي حيث يقول:

"اعلم أن الله تعالى لما بعث العرب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى الناس جميعاً وصف لهم ربهم سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه الكريم في كتابه العزيز الذي نزل به على قلبه صلى الله عليه وسلم الروح الأمين وبما أوحى إليه ربه تعالى.

فلم يسأله صلى الله عليه وسلم أحد من العرب بأسرهم قرويهم وبدويهم عن معنى شيء من ذلك كما كانوا يسألونه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك مما لله فيه سبحانه أمر ونهي، وكما سألوه صلى الله عليه وسلم، عن أحوال القيامة والجنة والنار إذ لو سأله إنسان منهم عن شيء من الصفات لنقل كما نقلت الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في أحكام الحلال والحرام وفي الترغيب والترهيب وأحوال القيامة.

والملاحم والفتن ونحو ذلك مما تضمنته كتب الحديث، معاجمها ومسانيدها وجوامعها.

ومن أمعن النظر في دواوين الحديث النبوي ووقف على الآثار السلفية علم أنه لم يرد قط من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه نفسه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات نعم ولا فرق أحد منهم بين كونها صفة ذات أو صفة فعل وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والإنعام والعز والعظمة، وساقوا الكلام سوقاً واحداً وهكذا أثبتوا رضي الله عنهم ما أطلقه الله سبحانه على نفسه الكريمة من الوجه واليد ونحو ذلك مع نفي مماثلة المخلوقين فأثبتوا رضي الله عنهم بلا تشبيه ونزهوا من غير تعطيل ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت. ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به على وحدانية الله تعالى وعلى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم سوى كتاب الله ولا عرف أحد منهم شيئاً من الطرق الكلامية ولا مسائل الفلسفة فمضى عصر الصحابة رضي الله عنهم على هذا ... " (١).قلت: للإمام ابن القيم أيضاً كلام قيم في هذا الصدد فراجعه (٢).

ولنعلم ما قيل:

وهذا الحق بس به خفاء ... فدعنى من بُنّيَّاتِ الطريق

قلت: هذه حقيقة واقعة اعترف بها تقي الدين على بن عبدالكافي السبكي (٧٥٦هـ) حيث قال:

" ... وقد فهمها الصحابة، ولذلك لم يسألوا عنها النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها كانت معقولة عنهم بوضع اللسان، وقرائن الأحوال، وسياق الكلام، وسبب النزول.


(١) ((الخطط)) للمقريزي (٢/ ٣٥٦)، وذكر معناه شيخنا عبدالله بن محمد الغنيمان في ((شرح كتاب التوحيد)) للبخاري (ص ١٧ - ١٨)، و ((ثبات العقيدة الإسلامية أمام التحديات)) (ص ٧ - ١٠)
(٢) ((إعلام الموقعين)) (١/ ٤٩)، و ((بدائع الفوائد)) (٢/ ٤ - ٥)، ((الصواعق المرسلة)) (١/ ٢٠٨ - ٢١١)، و ((مختصر الصواعق)) (١/ ١٥ - ١٦)، وانظر أيضاً ((روح المعاني) (١٦/ ١٥٩)، و ((جلاء العينين)) (ص ٣٧٢)، وراجع أيضاً ((درء التعارض)) (ص ٤٤ - ٧١)، ففيه مبحث في غاية الدقة والإتقان يقطع دابر الجهمية المعطلة وأفراخهم الماتريدية وزملاءهم الأشعرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>