للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومضت الأعصار الثلاثة التي هي خيار القرون على ذلك. حتى حدثت البدع والأهواء ... " (١).قلت: السبكي من أئمة الكوثري في المباحث الكلامية وعداء شيخ الإسلام وابن القيم ولذلك نرى الكوثري يبجله غاية التبجيل (٢).

وقد سكت الكوثري على قوله هذا، فيكون حجة عليه في باب التفويض.

وهذا الذي ذكرنا من عدم سؤال الصحابة وعدم استشكالهم في باب الصفات. من ناحية؛

ومن ناحية أخرى.

أن الكفار بأصنافهم كانوا ألد أعداء الإسلام، وكانوا يترصدون الفرصة - بين حين وآخر - للطعن في القرآن والإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. وقد عارضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من المواطن طعناً في القرآن والإسلام (٣).

فلو كانت نصوص الصفات لا تعلم معانيها، ولا يعرف المراد منها، ولا كانوا يعرفوها، لبادروا إلى الطعن في القرآن، ولكان ذلك فرصة سعيدة لأعداء الإسلام، كما سيأتي في الوجه السابع.

الوجه السادس:

أن دعوى التفويض المطلق وتقوله على السلف الصالح دعوى باطلة يكذبها واقع نصوص السلف.

فإن نصوص السلف قد تواترت في إثبات الصفات بلا تكييف ولا تمثيل مع تنزيه الله تعالى بلا تحريف ولا تعطيل؛ وكلامهم في ذلك إما نص وإما ظاهر، وهذه كتب أئمة السنة تفوح بأقوال السلف وحصر أقوالهم خارج عن نطاق طاقة البشر.

ولكن أكتفي بأمثلة عديدة من أقوالهم تبين أن مذهبهم إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل، وأنهم كانوا يعرفون معاني الصفات ويفهمون المراد من نصوصها وتفويضهم في الكيف أما نسبة التفويض المطلق إليهم - فافتراء قيبح،، وبهت صريح،، وكذب شنيع،، وتقول فظيع،، عليهم:

١ - قال الإمام ربيعة بن أبي عبدالرحمن المعروف بربيعة الرأي (١٣٦هـ) شيخ الإمام مالك: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول .. ".

٢ - ومثله كلام الإمام مالكٍ رحمهما الله تعالى.

وقال مالك (١٧٩هـ) أيضاً: "الله في السماء وعلمه في كل مكان ... ".

قلت: هذه المقالة الرَّبَعية والمالكية - التي سارت مسيرة الأمثال، وسارت بها الركبان - هي منهج كل مسلم سني سلفي، وهي تمثل مذهب السلف قديماً وحديثاً، وبهذا المهيع المستقيم السوي الوسط نجاة من ديجور التعطيل وفجور التمثيل.

وهي رد صريح على مزاعم أهل الجهل والتجهيل والتفويض، والتأويل؛ فإنهما قد صرحا بأن الاستواء معلوم، وإنما المجهول هو كيفيته.

٣ - قال شيخ الإسلام: " ... وكذلك الأئمة كانوا إذا سئلوا شيئاً من ذلك لم ينفوا معناه، بل يثبتون المعنى وينفون الكيف.

كقول مالك ... "الاستواء معلوم، والكيف مجهول" ... وكذلك ربيعة قبله.

وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول، فليس أحد من أهل السنة ينكره، وقد بين: أن الاستواء معلوم، كما أن سائر ما أخبر به معلوم، ولكن الكيفية لا تعلم، ولا يجوز السؤال عنها، لا يقال: كيف استوى ... ؛

فإن قيل: معنى قوله: "الاستواء معلوم" أن ورود هذا اللفظ في القرآن معلوم ... ؛

قيل: هذا ضعيف، فإن هذا من باب تحصيل الحاصل، فإن السائل قد علم أن هذا موجود في القرآن، وقد تلا الآية.

وأيضاً فلم يقل ذكر الاستواء في القرآن، ولا إخبار الله بالاستواء،

وإنما قال: "الاستواء معلوم فأخبر عن الاسم المفرد أنه معلوم، ولم يخبر عن الجملة.

وأيضاً فإنه قال: "والكيف مجهول" ولو أراد ذلك يقال: معنى الاستواء مجهول، أو تفسير الاستواء مجهول، أو بيان الاستواء غير معلوم، فلم ينف إلا العلم بكيفية الاستواء، لا العلم بنفس الاستواء.


(١) ((السيف الصقيل مع تعليقات الكوثري عليها المسماة بتبديد الظلام)) (ص ١٤٨).
(٢) ((انظر تبديد الظلام)) (ص ١٠، ٥٦، ٥٧، ٦٠، ٩٩، ١٨٢).
(٣) ((راجع درء التعارض)) (٧/ ٥٥ - ٧١)، وانظر ((تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة)) (ص ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>