للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج- أخبرت أنه كان في هذه البلدة امرأة من نساء كبار الأمراء وكان لها ولد يعارضها ويمانعها عما تريد. واشتدت مضايقته لها، حتى عمدت إلى جماعة أعدتهم لمجالسة ولدها، وصحبته، وأن يتعمدوا مخالفته، وإظهار التعجب منه في أشياء كثيرة، كانوا يقولون في الحلو: "إنه حامض" وفي الأصفر: "إنه أحمر" ونحو ذلك، ففعلوا ذلك، وألحوا فيه حتى تشكك الولد، وجُنَّ. د- وأخبرت: أنه كان لرجل من كبار الوزراء ابن وابن أخ، وقريب آخر، وكان القريب عاقلاً ذكياً فطناً مهذباً نبيل الأخلاق، وكان الابن دون ذلك، فخاف الوزير أن يموت، فيتولى الوزارة قريبه دون ابنه فأعد جماعة لمجالسة قريبه، وأمرهم بمخالفته وتشكيكه، ففعلوا ذلك حتى جن المسكين" (١).

قلت: وهكذا حال هؤلاء المتكلمين المجانين العقلاء، وذلك لفساد الفطرة والعقل والبيئة؛ فأفضت بهم عقلياتهم إلى طامات لا يقرها عقل ولا نقل، ولا إجماع ولا فطرة من القرمطة والسفسطة ورفع النقيضين؛ وشكوك وشبهات ظنوها براهين قاطعات وتعطيل الصفات وتحريف نصوصها بشبهة "التشبيه" وتشبيه الله بالحيوانات، والجمادات؛ بل بالمعدومات والممتنعات؛ فهم في الحقيقة - مع كونهم معطلة- مشبهة لا منزهة.

الوجه السابع:

أن قولهم: "ظاهر النصوص تشبيه أو يوهم التشبيه، أو ظاهر النصوص غير مراد". من الكلمات المجملة الكلامية والألفاظ المستحدثة البدعية المتشابهة المحتملة للحق والباطل كقولهم: "الله ليس في جهة، وليس له حد، ولا مكان، والله منزه عن الأعراض والحوادث" ونحوها. وقاعدة السلف في مثل ذلك: التوقف عن الحكم عليها نفياً وإثباتاً قبل التفصيل وقبل بيان مراد قائلها: فيجب فيها التفصيل وتمييز الحق من الباطل؛ فإن كان مراد قائلها معنًى حقا يقبل، وإلا يرد على قائلها، مع أن التقييد بالألفاظ الشرعية المأثورة هو الطريق المتبع (٢).

فقولهم: (ظاهر النصوص تشبيه) أو قولهم: (ظاهر النصوص غير مراد) نعرضه على تلك القاعدة.

قال شيخ الإسلام: (القاعدة الثانية: إذا قال القائل: "ظاهر النصوص مراد، أو ظاهرها ليس بمراد". فإنه يقال: لفظ "الظاهر" فيه إجمال واشتراك؛ فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين، أو ما هو من خصائصهم فلا ريب أن هذا غير مراد، ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا "ظاهراً"، ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفراً وباطلاً؛ والله سبحانه وتعالى اعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر وضلال.

والذين يجعلون ظاهرها ذلك يغلطون من وجهين:

تارة: يجعلون المعنى الفاسد "ظاهر اللفظ" حتى يجعلوه محتاجاً إلى تأويل يخالف الظاهر ولا يكون كذلك. وتارة: يردون المعنى الحق الذي هو ظاهر اللفظ لاعتقادهم أنه باطل) (٣).


(١) ((القائد إلى تصحيح العقائد)) (ص ١٨٥ - ١٨٦)، و ((ضمن التنكيل)) (٢/ ٣٥٧ - ٣٥٨).
(٢) انظر ((التدمرية)) (ص ٦٥ - ٦٨)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٤١ - ٤٢، ٦/ ٣٨ - ٤٠)، و ((منهاج السنة)) (١/ ٢٤٩)، و ((مختصر الصواعق المرسلة)) (ص ٤٠٤)، و ((شرح الطحاوية لابن أبي العز)) (ص ٢٢٢ - ٢٢٦، ٢٣٨ - ٢٣٩)، و ((جلاء العينين)) (ص ٣٨٦)، و ((النفائس)) (ص ٢٩ - ٣٠)، تحقيق الفقي.
(٣) ((التدمرية)) (ص ٦٩)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٤٣) و ((النفائس)) (ص ٢٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>